السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الفاضل عبد الرحمن السحيم
بارك الله فيكم ونفع بعلمكم
أشكل علي فهم حديث للنبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] :
( لا تسبوا الدهر فإن الله عز وجل قال : أنا الدهر الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك )
فهل يشمل السب كل ذكر للدهر من اعتراض أو تذمر أو قول مثلا ( الدهر ماله أمان ) ؟
وهل يتعارض مع ما نسب للحسين بن علي رضي الله عنه ولا أدري إن كان صحيحا في أبيات قالها :
يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالإشراق والأصيل
من صاحب وطالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الأمر إلى الجليل * وكل حي سالك السبيل
والتي فهمها البعض بأنه لا يقصد بها سب الدهر الذي يعني الاعتراض على القدر ولا شيئاً من هذا القبيل أبداً إنما هو تضجر فقط المقصود به ذم الدنيا الزائلة وأخذ العبرة من صروف الدهر المتغيرة وهناك فرق بين التضجر و الاعتراض..
وأن هذه الأبيات لحفيد رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وبالطبع حفيد رسول الله من أفهم الناس بحديث جده ولا يعقل أن يخالف حفيد رسول الله جده
فأفيدونا جزاكم الله
وبارك فيكم
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا
وبارك الله فيك .
العلماء فرّقوا بين الوصف وبين الذمّ .
فالذمّ هو الممنوع ، لأن الذم في الحقيقة يقع على مُقدِّر الأقدار سبحانه وتعالى ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : قال الله عزّ وجل : يؤذيني بن آدم يسب الدهر ، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار .
وفي رواية : يؤذيني بن آدم يقول يا خيبة الدهر ، فلا يقولن أحدكم : يا خيبة الدهر ، فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره ، فإذا شئت قبضتهما .
وفي رواية : لا تسبوا الدهر ، فإن الله هو الدهر .
قال ابن القيم رحمه الله : في هذا ثلاث مفاسد عظيمة :
إحداها : سَـبّه مَن ليس بأهل أن يُسَبّ ، فإن الدهر خَلْق مُسَخّر مِن خَلْق الله ، مُنْقَاد لأمْرِه ، مُذَلّل لتسخيره ؛ فَسَابّـه أولى بالذم والسب منه .
الثانية : أن سَـبّه مُتَضَمّن للشرك ، فإنه إنما سبه لظنه أنه يَضُرّ وينفع ، وأنه مع ذلك ظالم قد ضَرّ مَن لا يستحق الضرر ، وأعطى من لا يستحق العطاء ، ورفع من لا يستحق الرفعة ، وحَرَم مَن لا يستحق الحرمان ، وهو عند شاتميه مِن أظلم الظَّلَمة . وأشعار هؤلاء الظلمة الخونة في سَـبّه كثيرة جدا ، وكثير مِن الْجُهّال يُصَرّح بِلَعْنِه وتَقْبِيحِه .
الثالثة : أن السبّ منهم إنما يَقَع على مَن فَعل هذه الأفعال التي لو أتبع الحق فيها أهواءهم لَفَسَدَتِ السماوات والأرض ، وفي حقيقة الأمر فَرَبّ الدهر تعالى هو المعطي المانع ، الخافض الرافع ، الْمُعِزّ الْمُذِلّ ، والدهر ليس له من الأمر شيء ؛ فَمَسَبّتهم للدهر مَسَبّة لله عز وجل . اهـ .
وقال ابن عبد البر رحمه الله : المعنى عند جماعة العلماء في هذا الحديث أنه وَرَد نَهْيًا عن ما كان أهل الجاهلية يقولونه مِن ذم الدهر وسَـبّه لِمَا يَنْزِل من المصائب في الأموال والأنفس ، وكانوا يُضِيفون ذلك إلى الدهر ويَسبّونه ويَذمّونه بذلك على أنه الفاعل ذلك بهم ، وإذا وقع سَبّهم على من فعل ذلك بِهِم وَقَع على الله عز وجل ؛ فجاء النهي عن ذلك تَنْزِيهًا لله تعالى وإجلالاً له ، لِمَا فيه من مُضَارَعة سَبّ الله وذَمّه ، تعالى الله عما يقول الجاهلون علوا كبيرا . اهـ .
ومِن الذّم أن يُقال : الزمان ما له أمان .
أو قول بعض الناس عند الغضب مِن شخص مُعيّن : يلعن اليوم أو الساعة التي عَرَفَه فيها .
وفي هذا خطأ اعتقادي ، وهو : نسبة الأفعال إلى الزمان ، وهذا قد يصِل بصاحبه إلى الشرك ، إذا اعتقد أن الزمان يفعل كذا . وهذا كَحَال الذين قالوا : (مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) .
وأما الوَصْف الخالي من الذم ، فإنه لا يُمنع منه ، فقد وصف الله الأيام بالنَّحس وبالشؤم ، فقال عن عاد : (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) .
وقال عنهم : (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا) .
قال أهل العلم بتأويل القرآن في قول الله عز وجل : (فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ) قالوا : مشائيم . قال أبو عبيدة : نحسات ذوات نحوس مشائيم . قاله ابن عبد البر في التمهيد .
وقال البغوي : (نَحِسَاتٍ) أي نكدات مشؤمات ذات نحوس . اهـ .
وقال تعالى عن عاد أيضا : (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ)
قال القرطبي : أي دائم الشؤم استمر عليهم بنحوسه ، واستمر عليهم فيه العذاب إلى الهلاك . اهـ .
فهذا من باب الوصف ، لا من باب الذمّ .
وأما ما يُروى عن الحسين بن علي رضي الله عنهما ، فهو مَرويّ من طريق أبي مخنف ، وهو شيعي ضعيف ، فلا يُعتمد عليه في الرواية .
ولو صَحّت نسبة تلك الأبيات فالحجّة في قول رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] .
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يتكلّم في مسألة فلمّا أكثَرُوا عليه قال : أفَكِتَاب الله عز وجل أحقّ أن يُتَّبَع أم عُمر ؟
والله تعالى أعلم
الشيخ عبد الرجمن السحيم
شيخنا الفاضل عبد الرحمن السحيم
بارك الله فيكم ونفع بعلمكم
أشكل علي فهم حديث للنبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] :
( لا تسبوا الدهر فإن الله عز وجل قال : أنا الدهر الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك )
فهل يشمل السب كل ذكر للدهر من اعتراض أو تذمر أو قول مثلا ( الدهر ماله أمان ) ؟
وهل يتعارض مع ما نسب للحسين بن علي رضي الله عنه ولا أدري إن كان صحيحا في أبيات قالها :
يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالإشراق والأصيل
من صاحب وطالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الأمر إلى الجليل * وكل حي سالك السبيل
والتي فهمها البعض بأنه لا يقصد بها سب الدهر الذي يعني الاعتراض على القدر ولا شيئاً من هذا القبيل أبداً إنما هو تضجر فقط المقصود به ذم الدنيا الزائلة وأخذ العبرة من صروف الدهر المتغيرة وهناك فرق بين التضجر و الاعتراض..
وأن هذه الأبيات لحفيد رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وبالطبع حفيد رسول الله من أفهم الناس بحديث جده ولا يعقل أن يخالف حفيد رسول الله جده
فأفيدونا جزاكم الله
وبارك فيكم
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا
وبارك الله فيك .
العلماء فرّقوا بين الوصف وبين الذمّ .
فالذمّ هو الممنوع ، لأن الذم في الحقيقة يقع على مُقدِّر الأقدار سبحانه وتعالى ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : قال الله عزّ وجل : يؤذيني بن آدم يسب الدهر ، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار .
وفي رواية : يؤذيني بن آدم يقول يا خيبة الدهر ، فلا يقولن أحدكم : يا خيبة الدهر ، فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره ، فإذا شئت قبضتهما .
وفي رواية : لا تسبوا الدهر ، فإن الله هو الدهر .
قال ابن القيم رحمه الله : في هذا ثلاث مفاسد عظيمة :
إحداها : سَـبّه مَن ليس بأهل أن يُسَبّ ، فإن الدهر خَلْق مُسَخّر مِن خَلْق الله ، مُنْقَاد لأمْرِه ، مُذَلّل لتسخيره ؛ فَسَابّـه أولى بالذم والسب منه .
الثانية : أن سَـبّه مُتَضَمّن للشرك ، فإنه إنما سبه لظنه أنه يَضُرّ وينفع ، وأنه مع ذلك ظالم قد ضَرّ مَن لا يستحق الضرر ، وأعطى من لا يستحق العطاء ، ورفع من لا يستحق الرفعة ، وحَرَم مَن لا يستحق الحرمان ، وهو عند شاتميه مِن أظلم الظَّلَمة . وأشعار هؤلاء الظلمة الخونة في سَـبّه كثيرة جدا ، وكثير مِن الْجُهّال يُصَرّح بِلَعْنِه وتَقْبِيحِه .
الثالثة : أن السبّ منهم إنما يَقَع على مَن فَعل هذه الأفعال التي لو أتبع الحق فيها أهواءهم لَفَسَدَتِ السماوات والأرض ، وفي حقيقة الأمر فَرَبّ الدهر تعالى هو المعطي المانع ، الخافض الرافع ، الْمُعِزّ الْمُذِلّ ، والدهر ليس له من الأمر شيء ؛ فَمَسَبّتهم للدهر مَسَبّة لله عز وجل . اهـ .
وقال ابن عبد البر رحمه الله : المعنى عند جماعة العلماء في هذا الحديث أنه وَرَد نَهْيًا عن ما كان أهل الجاهلية يقولونه مِن ذم الدهر وسَـبّه لِمَا يَنْزِل من المصائب في الأموال والأنفس ، وكانوا يُضِيفون ذلك إلى الدهر ويَسبّونه ويَذمّونه بذلك على أنه الفاعل ذلك بهم ، وإذا وقع سَبّهم على من فعل ذلك بِهِم وَقَع على الله عز وجل ؛ فجاء النهي عن ذلك تَنْزِيهًا لله تعالى وإجلالاً له ، لِمَا فيه من مُضَارَعة سَبّ الله وذَمّه ، تعالى الله عما يقول الجاهلون علوا كبيرا . اهـ .
ومِن الذّم أن يُقال : الزمان ما له أمان .
أو قول بعض الناس عند الغضب مِن شخص مُعيّن : يلعن اليوم أو الساعة التي عَرَفَه فيها .
وفي هذا خطأ اعتقادي ، وهو : نسبة الأفعال إلى الزمان ، وهذا قد يصِل بصاحبه إلى الشرك ، إذا اعتقد أن الزمان يفعل كذا . وهذا كَحَال الذين قالوا : (مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) .
وأما الوَصْف الخالي من الذم ، فإنه لا يُمنع منه ، فقد وصف الله الأيام بالنَّحس وبالشؤم ، فقال عن عاد : (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) .
وقال عنهم : (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا) .
قال أهل العلم بتأويل القرآن في قول الله عز وجل : (فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ) قالوا : مشائيم . قال أبو عبيدة : نحسات ذوات نحوس مشائيم . قاله ابن عبد البر في التمهيد .
وقال البغوي : (نَحِسَاتٍ) أي نكدات مشؤمات ذات نحوس . اهـ .
وقال تعالى عن عاد أيضا : (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ)
قال القرطبي : أي دائم الشؤم استمر عليهم بنحوسه ، واستمر عليهم فيه العذاب إلى الهلاك . اهـ .
فهذا من باب الوصف ، لا من باب الذمّ .
وأما ما يُروى عن الحسين بن علي رضي الله عنهما ، فهو مَرويّ من طريق أبي مخنف ، وهو شيعي ضعيف ، فلا يُعتمد عليه في الرواية .
ولو صَحّت نسبة تلك الأبيات فالحجّة في قول رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] .
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يتكلّم في مسألة فلمّا أكثَرُوا عليه قال : أفَكِتَاب الله عز وجل أحقّ أن يُتَّبَع أم عُمر ؟
والله تعالى أعلم
الشيخ عبد الرجمن السحيم