نصّ الحديث
عن عمّارِ بنِ ياسِر رضي الله عنه قال : « مَنْ صَامَ اليَوْمَ الذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] »، ذكره البخاري تعليقا ([1]).
سبب ورود الحديث
كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ بْنِ يَاسِرٍ فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْلِيَةٍ، فَقَالَ : كُلُوا، فَتَنَحَّيَ بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ : إِنِّي صاَئِمٌ، فَقَالَ عَمَّارُ : « مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ ... » ([2])، وفي لفظِ ابن أبي شيبة : " إِنَّ عَمَّارًا وَنَاسًا مَعَهُ أَتَوْهُمْ بِمَسْلُوخَةٍ مَشْوِيَّةٍ فِي الْيَوْمِ الْذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ رَمَضَانُ أَوْ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ، فَاجْتَمَعُوا وَاعْتَزَلَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ عَمَّارُ : تَعَالَ فَكُلْ، قَالَ : فَإِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ لَهُ عَمَّارُ : إِنْ كُنْتَ تُؤمِنُ باللهِ وَالْيَوْمِ اْلآخِرِ فَتَعَالَ فَكُلْ " ([3]).
ترجمة الراوي
هو الصحابي أبو يَقظان عمّارُ بنُ ياسر ابنِ عامر بنِ مالك العَنْسِيُّ، ثمّ المَذْحِجِيُّ القحطانيُّ نَسَبا، المخزوميُّ حِلْفا ووَلاءً، وهو أَحَدُ السابقين الأوّلين والأعيانِ البَدْرِيِّين، كان هو وأبوه وأمّه سُمَيَّةُ ([4]) وإخوتُه من السابقين الأوّلين المعذَّبِين في الله، شهد عمّارُ سائرَ المشاهدِ مع النّبيِّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ، وكان مخصوصا منه بالبِشارة والترحيب والبَشاشة والتَّطْيِيب، له فضائل وأحاديث عِدَّة، ومن فضائله قوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « عَمَّارُ مُلِئَ إِيمَانًا إِلَى مُشَاشَه » ([5])،وفيه نزل قوله تعالى : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِاْلإِيمَانِ } ([6])، وقد ولاّه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه الكوفة، وكتب إليهم : " إنّه من النُجَباء الرفقاء، فاعْـرِفوا قَدْرَه "، قُـتِل رضي الله عنه بـصِفِّين سنة (37 هـ ـ 657 م) ([7])، وكان من أصحاب عليّرضي الله عنه ([8]).
سند الحديث
الحديثُ أورده البخاريُّ قال : باب قول النّبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا »، وقال صِلَةُ عن عَمَّار : « مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِم [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ».
قال الحافظ : "وصِلَةُ بنُ زُفَر كُوفِيّ عَبْسِيّ من كبار التابعين وفضلائهم" ([9]).
والحديث وَصَلَه الخمسة ([10]) من طريق عَمرِو بنِ قَيْس عن أبي إسحاق عن صِلة.
ولفظ الحديث عند أبي داود وابن ماجه : « مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ ... »، وعند الترمـذي وابن خُزَيمة : « مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ ... »، وقال الترمذي : "حديث عمّار حديثٌ حسنٌ صحيح "، وصحّحه ابن خزيمة ([11]) وابن حبّان ([12]) والحاكم ([13]) ووافقه الذهبي، وقد تعقّب صاحب "الإرواء" تصحيح الحديث : "بأنّ عَمرَو بن قَيس لم يحتجّ به البخاري، وأبو إسحاق هو عمرو ابن عبد الله السبيعي، وهو ـ وإن كان ثقة ـ فقد كان اختلط بآخره، كما في "التقريب"، وقد رماه غيرُ واحد بالتدليس، وقد رواه مُعَنْعَنًا، غيرَ أنّ له طريقا أخرى يتقوّى بها" ([14])، قال ابنُ حجر : "وله متابع بإسناد حسن ([15]) أخرجه ابن أبي شيبة من طريق منصور عن رِبْعيِّ، ورواه عبد الرزّاق من وجه آخر عن منصور عن رِبْعيِّ عن رجل عن عمّار، وله شاهد من وجه آخر أخرجه إسحاق بن راهويه من رواية سماك عن عِكْرِمة " ([16]).
غريب الحديث
ـ مَصْلِيَة : مَشْوية ([17]).
ـ تَنَحَّيَ : صار إلى ناحية، أو تجنّب الناس وصار في ناحية منهم ([18])، بمعنى ابتعد واعتزل.
ـ مَسْلُوخَة : الشاة التي سُلِخ عنها الجلد ([19]).
الفوائد والأحكام المستنبطة من الحديث
يمكن أن نُجمِل الفوائد والأحكام المستخرجة من حديث الباب ومن سبب وروده على ما يأتي :
1°) ظاهر الحديث أنّه موقوف لفظا مرفوع حكمًا، حيث إنّ فيه دلالة على تحريم صومِ يومِ الشكّ بالإسناد واللزوم، لأنّ العصيان لا يكون إلاّ بفعل ما نهى النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أو بترك ما أمر به، فيكون حديث عمّار رضي الله عنه مُسنَدًا باللزوم، وليس موقوفا، لأنّ معنى العصيان له لازم من خارج، وهو فعل ما نهى عنه النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أو ترك ما أمر به ([20])، فحينئذ عند فهم مدلول اللفظ من اللفظ ينتقل الذهن من مدلول اللفظ إلى لازمه عقليا، ولو تعذّر الانتقال لاستحال فهم اللازم.
قال ابن عبد البرّ ([21]) : " هذا حديث مسند عندهم لا يختلفون في ذلك " ([22]).
ومعناه مستفاد ـ أيضا ـ من أحاديث النهي عن استقبال رمضان بصومٍ وأحاديث الأمر بالصوم لرؤية الهلال ([23]).
2°) لفظ الشكّ في الحديث يَحتَمِل أن يكون الشكّ فيه من شعبان أو أن يكون من رمضان، أي أنّه أوّل يوم من رمضان أو آخر يوم من شعبان ([24])، غير أنّ لفظ أبي داود يدلّ على أنّه من شعبان، ويُبَيِّنُه بقوله : « مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ ... » الحديث، وبقوله : « أَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ ».
3°) المراد من يوم الشكّ هو يومُ الثلاثين من شعبان، إذا حال دون مَطْلَع الهلال في ليلته قَتَرة ([25]) أو غيم أو ساتر أو نحو ذلك، وعند مَن أوجب صوم الثلاثين بنية من رمضان عند عدم رؤية الهلال بساتر، فإنّه لا يُسَمِّي يومَ الثلاثين يومَ الشكّ، بل هو يوم من رمضان من طريق الحكم، وهو مذهب أكثر الحنابلة ([26])، وعلى هذا الرأي فلا يتوجّه النهي عن صوم يوم الشكّ إليه، وهذه المسألة سنتعرّض لها في "فقه الحديث".
4°) فيه فائدة الإتيان بالموصول في قوله : « الْيَوْمَ الْذِي يُشَكُّ فِيهِ »، ولم يَقُل : " يومَ الشكّ "، مبالغة في أنّ صومَ يومٍ فيه أدنى شكّ سبب لعصيان صاحب الشرع، فكيف بمن صام يومـًا الشكُّ فيه قائمٌ ثابت ؟ أفاده الطيبي، وقال : " ونحوه { وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الْذِينَ ظَلَمُوا } ([27])، أي الذين أُونِسَ منهم أدنى ظلم، فكيف بالظلم المستمرِّ عليه ؟ " ([28]). ولا يخفى وقوع لفظ « يَوْمَ الشَّكِّ » في طرق كثيرة.
5°) فيه فائدة تخصيص ذكر كنية النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ، للإشارة إلى أنّ النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] يقسم أحكام الله بين عـباده زمانا ومكانا وغير ذلك ([29])، وفيه ـ أيضا ـ استحباب التكنّي وتكريم المكنّى والتنويه به.
6°) يُستفاد من مفهوم الحديث جوازُ تقدّم رمضان بما قبل يوم الشكّ بصوم النفل المطلق، غير أنّ هذا المفهوم ثبت من منطوق حديثي أبي هريرة رضي الله عنه ما يُخصِّص الجواز بالنهي في قوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ ... » ([30])، وبقوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ » ([31]).
وهذه الأحاديث مُخصَّصة بالاستثناء الوارد في حديث أبي هريرة الأوّل بقوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ »، أي يوافق صوما معتادا ([32])، وعلى معنى هذا الاستثناء يُلحَق به القضاء والنذر إلحاقا أَوْلويا لوُجوبهما، ذلك لأنّ الأدلّةَ قطعيةٌ على وجوب القضاء والوفاء بالنذر، إذ تقرّر ـ أصوليا ـ أنّ القطعيّ لا يُبطَل بالظنّي ولا يعارضه ([33]).
7°) فيه دليل على عدم جواز التشريع في أمور الدين لأحد سوى الله تعالى، ووجوب المحافظة على شرعه، والاحتياط في أمر العبادات، لكيلا يؤدّيَ صيامُ يومِ الشكّ إلى اعتقاد أنّ الزيادة على شهر رمضان أمر مُساغ ومُستحسَن، الأمرُ الذي يفضي إلى فتح باب مفاسد عظيمة والكذب على الله فيما شرع على نحو ما فعلت بعض الأمم السابقة الذين زادوا في مدّة صومهم ([34]).
8°) تكمن حكمة النهي عن صيام يوم الشكّ في أنّ الحكم عُلِّق بالرؤية، فمن تقدّمه فقد حاول الطعن في ذلك الحكم، قال الحافظ : "وهذا هو المعتمد"([35]).
9°) يُستفاد من حكم الرفع في الحديث جواز رواية الحديث بالمعنى، لكون اللفظ موقوفا، وجواز رواية الحديث بالمعنى للعالم بما يحيل المعنى وما لا يحيله هو مذهب جمهور السلف والخلف من المحدّثين وأصحاب الفقه والأصول بشرط أن لا يكون المرويّ ممّا يُتَعَبَّد به، أو من جوامع كَلِمِه [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ([36]).
10°) من سبب ورود الحديث يظهر معنى إكرام الضيف وخدمته والتواصي بالحقّ والتناصح على البرّ والتقوى والتزام حدود الشرع بما نهى عنه وأمر به.
فقه الحديث
اختلف العلماء في حكمِ صومِ يومِ الشكّ على مذاهب، يمكن حصرُها في مذهبين مشهورين، وهما :
مذاهب العلماء
1 ) تحريم صومِ يومِ الشكّ من رمضان ويجوز صيامه ما سوى ذلك ([37])، وهو ما عليه أكثر الصحابة وجمهور الفقهاء وغيرهم.
2°) التفصيل : ووجهه وجوبُ صومِ يومِ الشكِّ إن حال دون مَنظَره غيم أو قتر، ويجزئ إن كان من شهر رمضان، وإن كانت السماء مُصْحِيةً لم يَجُز صومُه، وبهذا قال الإمام أحمد في أشهر الروايات الثلاث عنه ([38])، وأكثر شيوخ المذهب على هذا الرأي كالخِرَقيِّ ([39]) ([40]) وغيره، وهو مذهب مرويّ عن عمر وابنه وعمرو بن العاص وأبي هريرة ومعاوية وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر ([41])رضي الله عنهم.
أدلّة الفريقين
نستعرض أدلّة الجمهور أوّلا، ثمّ نتبعه بأدلّة جمهور الحنابلة ثانيا، مع مناقشة الأدلّة الواردة من الفريقين وسبب الخلاف ثمّ الترجيح.
أدلّة الجمهور :
اسـتـدلّ الجمهور بالأحاديث وآثـار الصحابة الآتية ذكرها على الترتيب التالي :
1 ـ بحديث الباب الذي تظهر دلالته صريحة في تحريم صيام يوم الشكّ على ما تقدّم.
2 ـ بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : « نَهَى رَسُولُ اللهِ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] عَنْ صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ : الْيَوْمِ الْذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ، وَيَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ الأَضْحَى، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ » ([42])، والحديث كسابقه يصرّح بالنهي عن صوم يوم الشكّ، والنهي يقتضي التحريم أصوليا ([43]).
3 ـ بالأحاديث القولية والفعلية الدالّةِ على النهي عن استقبال رمضان بصوم، وأحاديث الأمر بالصوم برؤيته، منها :
- حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعا : « لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلاَثِينَ » ([44]).
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : « صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ » ([45])، وفي رواية لمسلم : « فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ ».
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : « لاَ تَقَدَّمُوا صَوْمَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ » ([46]).
- حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعا : « لاَ تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ قَبْلَه أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ قَبْلَهُ » ([47]).
- أمّا الفعلية فبحديـث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : « كَانَ رَسُولُ اللهِ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] يَتَحَفَّظُ مِنْ شَعْبَانَ مَا لاَ يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ، ثَمَّ يَصُومُ لِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلاَثِينَ يَوْماً ثُمَّ صَامَ » ([48]).
4 ـ بحديث عبد الله بن جراد عن النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] قال : « أَفْطِرُوا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يَصُومُ هَذَا الْيَوْمَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، لأَنْ أُفْطِرَ يَوْماً مِنْ رَمَضَانَ يَتَمَارَى فِيهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ يَوْماً مِنْ شَعْبَانَ لَيْسَ مِنْهُ » ([49]).
5 ـ أمّا آثار الصحابة فبقول ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : " لو صُمْتُ السَّنَة كلَّها لأفطرتُ اليومَ الذي يُشَكُّ فيه " ([50])، وفي رواية : " أنّ ابن عمر أمر رجلا يفطر في اليوم الذي يُشَكُّ فيه "، وهو مذهب مرويٌّ ـ أيضا ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ ([51])، وحكاه ابن المنذر أنّه مذهب عمرَ بنِ الخطّاب وعليٍّ وابنِ عبّاس وابنِ مسعود وحذيفةَ وأنسٍ وأبي هريرة وغيرِهم ([52]).
وفي مصنّف ابن أبي شيبة عن كلّ من عمر وعليّ ـ رضي الله عنهما ـ : أنّه كان إذا حضر رمضانُ فيقول : " أَلاَ لاَ تَقَدَّمُوا الشهرَ، إذا رأيتم الهلالَ فصوموا، وإذا رأيتم الهلال فأفطروا، فإن أُغْمِيَ عليكم فأتمّوا العدّة " ([53]).
فهذه الأحاديث والآثار دالّة على منع صيام يوم الشكّ، وأنّ المتقدِّم عن صوم رمضان قبل رؤية الهلال مخالف للسنّة الثابتة وما عليه أكثر الصحابة وعوام أهل المدينة ([54]).
أدلّة جمهور الحنابلة :
استُدِلّ للرواية المشهورة عن الإمام أحمد بالحديث والآثار والقياس، وتظهر أدلّتهم على الوجه التالي :
1 ـ بحديث عِمرانَ بنِ حُصَيْن رضي الله عنه أنّ النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] قال له أو لرجل آخر وعِمْران يسمع : « أَمَا صُمْتَ سَرَرَ شَعْبَانَ ؟ » قال : لا، يا رسول الله، قال : « فَإِذاَ أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ » ([55]).
والحديث صريح في إفادةِ صِحّةِ صومِ يومِ الشكِّ لأنّ المراد من " سَرَر الشهر " : آخره، وسمّيت بذلك لاستسرار القمر فيها فلا يظهر، وهي ليلة ثمان وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين ([56]).
2 ـ وبمقتضى حديث أمِّ سَلَمة : « أَنَّ النَّبِيَّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] كَانَ يَصُومُهُ » أي يوم الشكّ ([57]).
3 ـ وبحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنّ النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قال : « إِنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ » ([58]).
ومعنى الحديث : ضيِّقوا عدّة شعبان بصوم رمضان، بتقديره تحت السحاب، بحيث يكون له عدد يطلع في مثله، وذلك يكون لتسع وعشرين، ويشهد لمعنى التقدير قولُه تعالى : { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } ([59])، وقولُه تعالى: { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَّشَاءُ وَيَقْدِرُ } ([60]).
ويؤكّد هذا المعنى آثار الصحابة، فمن ذلك :
أ/ تفسيرُ ابنِ عمر للحديث بفعله، فقد حكى نافع عنه : " أنّه كان إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر فإن رأى فذاك، وإن لم يَرَ ولم يَحُلَّ دون مَنْظَرِه سحاب ولا قتر أصبح مفطرا، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما " ([61])، والرجوع إلى فهمِ الصحابيِّ ابنِ عمر أولى لكونه أعلم بمراد الحديث، فالراوي أعلم بما روى، ولذلك رجعنا إلى فعله في إثبات خيار المجلس ([62]).
بـ/ ما روي عن عليّ رضي الله عنه أنّه قال: " لأَنْ أصوم يوما من شعبان أحبُّ إليّ مِن أن أفطر يوما من رمضان "([63]).
جـ/ وروى البيهقي عن عائشة وأسماء بنتي أبي بكر مثله ([64])، كما روى مِن رواية أبي مريم عن أبي هريرة قوله : " لأَن أصوم الذي يشكّ فيه من شعبان أحبُّ إليّ من أن أفطر يوما من رمضان " ([65]).
4 ـ أمّا القياس فيتمثّل وجهه فيما يلي :
أ ـ إنّه إذا جاز صيام يوم الشكّ تطوّعا حال اقترانه بسبب فَلأَنْ يجوز صيامه فيما يحتمل كونه فرضا من باب أولى.
ب ـ كما أنّه يلحق بالصلاة في أوقات الكراهة فيما إذا أوقع فرضا أو ذا سبب بجامع كونهما عبادتين طبيعتهما متقاربة، تبطلان بفعل شيء من مبطلاتهما.
مناقشة الأدلّة السابقة
ـ أوّلا : مناقشة أدلّة الجمهور
اعتذر الحنابلة عن الأخذ بحديث الباب وحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي يليه في الاحتجاج به على ما يأتي :
1/ أمّا حديث أبي هريرة رضي الله عنه : « أَنَّ رَسُولَ اللهِ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] نَهَى عَنْ صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ » أَحَدُهَا : « الْيَوْمُ الْذِي يٌشَكُّ فِيهِ »، فقد رواه البزّار من طريق عبد الله بن سعيد المقبري عن جدّه عنه، ورواه البيهقي من حديث الثوري عن عبّاد عن أبيه، وعبّاد هذا هو عبد الله بن سعيد المقبري، قال البيهقي : " انفرد به عبد الله بن سعيد وهو غير قويّ "، وقال عنه الحافظ ابن حجر نقلا عن الإمام أحمد بن حنبل أنّه : "منكر الحديث" ([66])، وقال عنه صاحب "التنقيح" : "أجمعوا على ضعفه وعدم الاحتجاج به" ([67]).
2/ إنّ حديث الباب لا ينتهض حجّة من جهتين :
ـ الأولى : عدم التسليم بأنّ يوم الثلاثين من شعبان أنّه يوم الشكّ، بل هو من رمضان، أمّا المراد من "يوم الشكّ" فقد فسّره الإمام أحمد بأنّه : "اليوم الذي يتقاعد الناس عن طلب الهلال، أو يشهد رُؤيَتَهُ من يَرُدّ الحاكم شهادته، وعليه فإن حال دون منظره شيء فلا يسمّى هذا شكّا" ([68]).
ـ الثانية : وإذا سلّمنا أنّ يوم الثلاثين من شعبان يُسمّى يومَ الشكّ، فإنّ النهي عن صومه محمول على حال الصحو لما يعارض ذلك من أدلّة ([69]).
3/ وأحاديث النهي عن استقبال رمضان بصوم فالجواب عنها على الترتيب التالي :
أ ـ أمّا رواية ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : " فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلاَثِينَ " فهي مخالفة للرواية الصحيحة المتّفق عليها، ولمذهب ابن عمر ورأيه ([70]).
ب ـ أمّا حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري عن آدم عن شعبة بلفظ : « فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ »، فقد رواه جماعة كلّهم عن شعبة ([71]) لم يذكر أحد منهم هذه الزيادة، فيجوز أن يكون آدم قد رواه على التفقّه من عنده للخبر على ما صرّح به الإسماعيلي، فوقع للبخاري إدراج التفسير في نفس الخبر، وعلى هذا يكون المعنى : " فإن غُمّ عليكم رمضان فعدّوه ثلاثين " ([72]).
ومن جهة ثانية فإنّ خبرَ أبي هريرة السابقَ يرويه محمّد بن زياد، وقد خالفه سعيد بن المسيّب فرواه عن أبي هريرة بلفظ : « فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلاَثِينَ »، وروايته أحقّ بالتقديم وأولى بالترجيح لإمامته واشتهار عدالته وموافقته لمذهب أبي هريرة ولخبر ابن عمر ورأيه ([73]).
ومن جهة ثالثة ـ فيما إذا سَلَّمْنا بصحّةِ الزيادة وثبوتها ـ فهي محمولة على ما إذا غُمَّ هلال رمضان وهلال شوّال، فإنّا نحتاج إلى إكمال شعبان ثلاثين احتياطا للصوم، لأنّه على تقدير صوم يوم الثلاثين من شعبان فلا نجزم على أنّه من رمضان، وإنّما أوقعنا صيامه حكما ([74]).
ج ـ أمّا ما انفرد به مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : « صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ »، فإنّ المراد : " إن غُمّ عليكم رمضان فعدّوا رمضان ثلاثين "، بدليل قَرِينَتَيْن :
ـ الأولى : هي أنّ الكناية ترجع إلى أقرب المذكورين، وهو قوله : « وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِه »، والإفطار معنيٌّ بشهر شوّال، فيكون عَدُّ الثلاثين خاصًّا برمضان دون شعبان.
ـ الثانية : وهي أنّ الصحابي فسّره بفعله، وهو أعلم بما روى.
4/ وحديث حذيفة رضي الله عنه ضعّفه الإمام أحمد وقال : " ليس ذِكْرُ حذيفة فيه بمحفوظ "، وقيل : الصواب فيه : " عن رِبْعِي عن رجل من الصحابة مبهم، ثمّ هو وحديث أبي هريرة في الأمر بالصوم لرؤيته يُحملان على حالة الصحو لعدم ورود ذكر الغيم فيهما ([75]).
5/ أمّا حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في صفة تحفّظه [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] من هلال شعبان فَرُدَّ لأنّ في إسناده معاوية بن صالح، قال عنه أبو حاتم الرازي : " لا يحتجّ به " ([76])، ثمّ هو معارض بالمحفوظ من هذا بلفظ : « فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا ».
6/ وحديث عبد الله بن جراد قال عنه ابن الجوزي : " وهذا الحديث موضوع على ابن جراد، لا أصل له عن رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ، ولا ذكره أحد الأئمّة الذين جمعوا السنن وترخّصوا في ذكر الأحاديث الضعاف " ([77])، وفي إسناده يعلى بن الأشدق ضعّفه أئمّة الجرح والتعديل ([78]).
7/ أمّا ما رُوِيَ عن ابن عمر قوله : " لو صمت السنة لأفطرت اليوم الذي يُشَكّ فيه " فجوابه من أربعة وجوه :
1. إنّه أثر لا يصحّ عن ابن عمر، لأنّ في إسناده عبد العزيز بن حكيم، ضعّفه أبو حاتم الرازي ([79]).
2. إنّ المحفوظ عنه يعارضه، وقد تقدّم ذكره في حجّة الحنابلة.
3. وعلى فرض صحّته فهو محمول على اليوم الذي لم يَحُلَّ دون منظره سحاب ولا قتر، فيكون موافقا للرواية المحفوظة عنه.
4. وعلى غير هذا التقدير فإنّ المعني بـ " يوم الشكّ " ما فسّره الإمام أحمد على ما تقدّم، وعليه فإنّ المحلّ المتنازع عليه ليس بيوم الشكّ.
5. أمّا الآثار الأخرى فهي معارضة بمثلها أو بأحفظ منها.
ثانيا : مناقشة أدلّة الحنابلة
1/ نوقش حديث عمران بن حصين رضي الله عنه بأنّه غير معارِض لأدلّةِ الجمهور، حيث يمكن الجمع بين الحديثين، بحَمْلِ النهي على أنّ الرجل كان قد أوجب صومه على نفسه بنذر فأمره بالوفاء به ([80])، أو بحمله على مَن ليست له عادةٌ بذلك، وحَمْلِ الأمر على من له عادة، فأمره النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] بقضائها لتستمرّ محافظتُه على تلك العبادة، ولتدوم ملازمتُه للخير حتّى لا ينقطع، ويؤيّد ذلك ما وقع في بعض الروايات بلفظ : « فَصُمْ مَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَوْمَيْنِ »، فإنّه يفيد اعتياد الرجل صيام آخر الشهر وهذا كلّه إذا ما حُمِل لفظُ السَّرَر على آخر الشهر، أمّا إذا حمل على وسطه على ما حكاه أبو داود ([82]) ورجّحه بعضهم على معنى أنّ السَّرر جمع سُرّة، وسرّة الشيء وسطه، على أنّ الشرع ندب صيام البيض وهي وسط الشهر، وأنّه لم يرد في صيام آخر الشهر ندب، بل ورد فيه نهي خاص وهو آخر شعبان لمن صامه لأجل رمضان ([83])، فلم يبق متمسّك بالحديث السابق إذا حمل على وسط الشهر أو على أوّله أي مستهلّه على ما جاء في "اللسان" ([84]).
2/ أمّا حديث أمِّ سلمة فإنّ مرادَها أنّه كان يصوم شعبان كلَّه لِما رواه الخمسة من حديثها قالت : « إِنَّ النَّبِيَّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْراً تَامًّا إِلاَّ شَعْبَانَ يَصِلُ بِهِ » ([85])، وفي لفظ ابن ماجه : « كَانَ رُسُولُ اللهِ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ » ([86]).
والاحتجاج بما سبق خارج عن محلّ النزاع، لأنّه يجوز صومه عند الجمهور القائلين بالنهي عن صوم يوم الشكّ إذا ما وافق عادةً، لِما تقدّم من حديث أبي هريرة : « إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ » ([87]).
وعلى تقدير أنّه [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] صام يوم الشكّ فإنّ الجواب بأنّه لا تعارض بين فعله وقوله، ذلك لأنّ النهي عام له ولسائر المخاطَبِين، غير أنّ فعلَه مخصِّصٌ له من العموم ([88])، وإذا حُمِل على وقوع التعارض فَيُرَجَّحُ النهي والحظر على الجواز ـ من جهة ـ ([89])، والقول على الفعل ـ من جهة أخرى ـ ([90])، على ما تقرّر في باب الترجيحات من القواعد الأصولية.
3/ وأجاب الجمهور عن حديث ابنِ عمر مرفوعا : « إِنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ... » أنّ ظاهرَه وإن كان يقتضي الحصرَ إلاّ أنّه محمول على الأكثر والأغلب، لقول ابن مسعود رضي الله عنه : " مَا صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْناَ ثَلاَثِينَ " ([91])، ومثله عن عائشة وعمر وابن عبّاس وأبي بكرة رضي الله عنهم([92]).
ويؤيّد ذلك قوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] في حديث ابن عمر : « إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَةٌ ([93]) لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا، يعني : مَرَّة تسعةً وعشرين ومَرَّةً ثلاثين » ([94]).
ويحتمل جوابا آخر وهو أنّ اللام للعهد والمعنى المراد : شهرٌ بِعَيْنِه يكون تسعةً وعشرين ([95]).
وإذا حمل على ظاهره من إفادة الحصر فإنّ معناه حصره من جهة أحد طرفيه ـ كما ذكره ابن العربي ـ حيث قال : " أي أنّه قد يكون تسعا وعشرين ـ وهو أقلّه ـ، وقد يكون ثلاثين ـ وهو أكثره ـ، فلا تأخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطا، ولا تقتصروا على الأقلّ تخفيفا، ولكن اربطوا عبادتكم برؤيته واجعلوا عبادتكم مرتبطةً ـ ابتداءً وانتهاءً ـ باستِهْلالِه " ([96]).
والمراد بقوله : « فَاقْدُرُوا لَهُ » لغة ـ عند الجمهور ـ : من التقدير، فيقال : " قَدَّرْتُ الشيءَ أَقْدرُه ـ بكسر الدال وضمِّها ـ وقَدَّرْتُه وأَقْدَرْتُه " كلُّها بمعنى واحد، أي : اُنْظُروا أوّلَ الشهرِ واحسبوا تمام الثلاثين ([97])، قال الخطّابي ([98]) : ومنه قولُه تعالى : { فَقَدَّرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ } ([99]).
ولفظ : « فَاقْدُرُوا لَهُ » لم يروه سوى ابنُ عمر وحده، على ما ذكره ابنُ عبد البرّ ([100])، وهذا اللفظ وإن اتّفق الرواة عن مالك عن نافع فيه إلاّ أنّه جاء فيما رواه الشافعي من طريق سالم عن ابن عمر بتعيين الثلاثين، وقد رواه ابن خزيمة من طريق عاصم بن محمّد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر : « فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَكَمِّلُوا الثَّلاَثِينَ »، وله شواهد أخرى من حديث أبي هريرة وابن عبّاس وغيرهما ([101]).
وإذا كان تفسير " التقدير " في الحديث على المعنى المتقدّم لغةً وشرعا على ما ذهب إليه جمهور السلف والخلف فلم يَبْقَ مجالٌ لِحَمْلِه على معنى التضييق.
ـ وتفسير ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ للحديث بفعله فقد أجاب عنه الجمهور من المناحي التالية :
1 ـ إنّ ابنَ عمر ـ رضي الله عنهما ـ كان يفعل هذا الصنيع في شهر شعبان، وكان يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب في شهر رمضان، فدلّ ذلك على أنّ صيامَه لشهر شعبان إنّما كان على وجه الاحتياط، لأنّه لو لم يُحمَل فعلُه على ذلك لَلَزِم منه النقض في كونه يرى باقتضاء حمل التقدير على التضييق وتقديره تحت السحاب في إحدى الصورتين دون الأخرى، مع أنّ الأصل عدم اختلاف حكم كلّ من شعبان ورمضان في أمر التقدير، ولو اختلف حكمهما لبيّنه النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وفَصَل بينهما ، إذ أنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، كيف وقد نبّه النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] على التسوية بينهما بنهيه عن صوم يوم الشكّ ([102]).
2 ـ قد روي عنه من قوله ما يخالف فعله، والقول أقوى من الفعل في باب الترجيح.
3 ـ إنّ فعله رضي الله عنه معارض بروايته، لأنّ فعلَه عملٌ مبنيٌّ على اجتهاده، وقد يظهر له ما هو راجح في نظره ممّا رواه وإن لم يكن راجحا في نفس الأمر، TE "قاعدة أصولية : الحجّة فيما روى الراوي لا فيما رأى" فالحجّة إذا فيما رواه لا فيما رآه.
4 ـ إنّ الحديث رواه غيرُ ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ كابن عبّاس وأبي هريرة وحذيفة وأبي بكرة وطلق ابن عليّ وغيرهم، وهم أكثر عددا ورواية وعملا.
4/ أمّا ما أخرجه الشافعي عن عليّ رضي الله عنه فهو أثر منقطع، ذلك لأنّ فاطمة بنت الحسين لم تدرك عليّا رضي الله عنه ، فروايتها منقطعة، ولو سُلِّم الاتّصال فلا يفيد في محلّ النزاع، لكونه ورد مختصرا مُخِلاًّ بالمعنى، ذلك لأنّ لفظ الرواية : أنّ رجلا شهد عند عليّ على رؤية الهلال، فصام وأمر الناس أن يصوموا، ثمّ قال : "لأَن أصوم يوما من شعبان أحبُّ إليَّ من أن أفطر يوما من رمضان "، فالصوم لم يكن ليوم الشكّ بمجرّده، وإنّما عند قيام شهادة واحد عنده على رؤية الهلال لا في الغيم ([103])،وقد ورد هذا البيان في " سنن الدارقطني ([104]) " ([105])، ثمّ إنّه ـ من ناحية ثالثة ـ لو سلّم أنّه استحبّ صوم يوم من غير نظر إلى شهادة الشاهد فلا يكون قولُه حجّةً إلاّ على من يرى أنّ قول عليّ حجّة ([106])، على أنّ ابن أبي شيبة روى عنه في " مصنّفه " خلاف ذلك ([107]).
5/ والمعروف عن أبي هريرة خلاف ما نقل عنه، وقد روى عنه النهي عن تقدّم رمضان بصيام وهو أصحّ عنه، ومع ذلك لا يوجب ذلك اضطرابا لأنّ كلامه محمول على الاستثناء في الرواية المرفوعة : « إِلاَّ أَنْ يُوَافِقَ صَوْماً كَانَ يَصُومُهُ ».
6/ أمّا ما روي عن عائشة وأسماء بنتي أبي بكر ـ إن صحّ عنهما ـ فلا حجّة فيه، وقد نُقِل عن أكثر الصحابة وعامّة أهل العلم خلافُه، فضلا عن مخالفته للروايات والآثار الصحيحة على ما تقدّم.
7/ أمّا القياس ففاسد الاعتبار، لمقابلته للنصوص الآمرة بإكمال العدّة ثلاثين يوما ـ من جهة ـ، وغير منتهض من ناحية أنّ صوم يوم الشكّ لمن وافق عادة إنّما هو من شعبان وليس من رمضان اعتقادا من غير احتمال، وقد ورد بجوازه النصّ، أمّا المحتمل المشكوك فيه فلا يصار إليه خشية الوقوع في المحظور المنهيّ عنه بحديث الباب، فافترقا.
سبب الخلاف
يُرَدُّ سبب الخلاف في هذه المسألة إلى ما يأتي :
1) في فهم معنى " التقدير " في قوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ »، هل يقتضي التفرقة بين الصحو والغيم، فيكون التعليق على الرؤية متعلّقا بالصحو، وأمّا الغيم فله حكم آخر، وهو حمله على معنى التضييق، وبه قال أكثر الحنابلة، أو أنّه لا يقتضي التفرقة بينهما ويكون الثاني مؤكِّدا للأوّل، وبه قال الجمهور.
2) وفي قوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلاَثِينَ » هل هذه الكناية ترجع إلى أقرب الجملتين أو إلى الجملتين معًا ؟
3) في تعيين يَومِ الشكِّ : أهو آخر يوم من شعبان ـ أي : يوم الثلاثين ـ ؟ وبه قال الجمهور، أو هو أوّل يوم من رمضان ؟ وبه قال أكثر الحنابلة.
4) في تعارض آثار الصحابة، ومدى الاحتجاج بعمل الراوي بخلاف ما روى (أي هل العبرة بما رواه الصحابي أو بما رآه ؟).
الرأي المختار
ففي هذه المسألة فإنّ مذهب الجمهور لائحٌ من عدّة وجوه، وهي :
1 ـ إنّ الإجمال الحاصل في قوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « فَاقْدُرُوا لَهُ » محمول على الروايات الأُخَرِ المفسِّرةِ والمصرِّحةِ بالمراد، فلا تكون روايةُ مَن روى « فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ » مخالفةً لِمَن روى : « فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ »، بل مبيّنةً لها، ويؤيِّد ذلك حديث ابنِ عبّاس مرفوعا : « فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ، وَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اِسْتِقْبَالاً » ([108])، وغيرُه من الأحاديث التي تقدّمت، وهو ما فسّر به مالك ـ رحمه الله ـ اللفظ المحتمل ([109])، TE "قاعدة أصولية : المجمل يحمل على المفسّر اتّفاقا" وحَمْلُ الْمُجْمَل على الْمُفَسَّر طريقةٌ لا خلاف فيها بين الأصوليّين، لأنّه لا تعارض بينهما أصلا ([110]).
2 ـ ولقوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ » وهو ظاهر في النهي عن ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال، فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها، ولفظ : « فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ » الذي أوقع للمخالِف شبهةً مَدْفوعةً بالقواعد التي تقتضي بأنّ أيَّ شهرٍ غُمّ أُكْمِل الثلاثين، سواء في ذلك شعبان ورمضان وغيرهما، إذ لم يَخُصَّ شهرا دون شهر بالإكمال، فلو كان شهر شعبان غير مراد لبيّنه، لذلك يرجع قوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « فَاقْدُرُوا لَهُ » أو : « فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ » إلى الجملتين السابقتين، وهما : « صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ »، أي : إذا غُمّ عليكم في صومكم أو فطركم فأكملوا العدّة ثلاثين، وهو اختيار شمس الدين عبد الهادي الحنبلي في " تنقيح التحقيق " ([111]).
3 ـ وبناء على ما تقدّم فلا يلزم اضطرابا ولا تعارضا في الخبر الذي رواه البخاري من حديث شعبة عن محمّد بن زياد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ : « فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ »، وما رواه مسلم من حديث سعيد ابن المسيّب عن أبي هريرة مرفوعا : « فَصُومُوا ثَلاَثِينَ يَوْماً »، لأنّ الأمرَ عائدٌ على صورتي الصوم والإفطار في حالة الغمّ علينا، فذكر الراوي في إحدى الروايتين إحدى الصورتين وفي الرواية الأخرى الصورة الأخرى، وجاءت عبارةُ بعضِ الرواياتِ متناولةً لهما، ففي رواية مسلم : « فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ »، وفي رواية له ـ أيضا ـ : « فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ »، وعليه يتحقّق الجمعُ والتوفيقُ، وينتفي التعارُضُ، فلا يُصارُ إلى الترجيح لِمَا فيه من إهمالٍ للرواية الأخرى وإهدارٍ لها.
أمّا ما ذكره الإسماعيلي فغير قادح في صحّة الحديث، لأنّ النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إمّا أن يكون قد قال اللفظين، وهذا ما تفيده ظاهرُ الرواية، وإمّا أن يكون قال أَحَدَهما وذكر الراوي اللفظَ الآخرَ بالمعنى لعودة الأمر في قوله : « فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ » للشهرَيْن المتمثِّلَيْن في شعبان عند قوله في الجملة الأولى : « صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ »، وإلى رمضان في الجملة الثانية:« وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ »، هذا مقتضى القواعد التي دلّت عليه أحاديث هذه المسألة ([112]).
4 ـ ولأنّ المقرَّرَ في الأصول : " أنّ الصحابة إذا اختلفوا فليس بعضُهم حجّةً على البعض الآخر ولا على مَن بعدهم، وعليه فلا يجوز العمل بأحد القولين إلاّ بترجيح "، ويَتَرَجَّحُ مَن معه الحجّة، والحجّة فيما رواه الصحابي ونَقَلَه لا فيما رآه واجتهد فيه، وعلى تقدير العكس فإنّه قد روى الحديثَ غيُر ابنِ عمر وهم أكثر عددا وروايةً وعملا، وقد جاء في باب الترجيح من علم الأصول : " أنّ كثرة الرواة من المرجّحات باعتبار السند " ([113])، وكذلك كثرة الأدلّة ـ على التحقيق ـ، وهو مذهب الجمهور.
5 ـ ولأنّ الروايات الصحيحة التي اسْتُدِلَّ بها تشهد على صحّة مذهبهم من ناحية تَضَمُّنِها الاحتياطَ ([114])، فما كان كذلك فهو أولى بالتقديم على غيره لكونه أقرب إلى تحصيل المصلحة ودفع المفسدة.
والله أعلم
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) علّقه البخاري في "صحيحه" بصيغة الجزم : 4/119.
([2]) وهو اللفظ الذي وصله الخمسة وابن خزيمة وابن حبّان والحاكم وعنه البيهقي في "سننه الكبرى" : 4/208، عن طريق عَمرو بن قَيْس الملائي عن أبي إسحاق عنه.
([3]) "المصنّف" لابن أبي شيبة : 2/323 ـ 324 رقم (9502).
([4]) كانت سُمَيَّة أوّلَ شهيدة في الإسلام، وهي مولاة لأبي حذيفة ابن المغيرة المخزومي ("الرياض المستطابة" للعامري : 211).
([5]) أخرجه ابن ماجه : 1/52، والنسائي : 8/111، والحاكم : 3/392، قال الحافظ في "الفتح" [ 7/92 ] : "إسناده صحيح". و"المشاش" : جمع مُشاشة وهي رؤوس العظام الليّنة ["النهاية" لابن الأثير: 4/333].
([6]) جزء من آية 106 من سورة النحل، قال الحافظ في "الإصابة" [2/512] في ترجمة عمّار بن ياسر : " واتّفقوا على أنّها نزلت فيه هذه الآية ".
([7]) انظر ترجمته وأحاديثه في :
"مسند أحمد" : 4/264، 319 ـ 321، "الطبقات الكبرى" لابن سعد : 3/246 ـ 264، "التاريخ الكبير" للبخاري : 7/25 ـ 26، "التاريخ الصغير" للبخاري : 1/110 ـ 111، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم : 6/389، " المستدرك " للحاكم : 3/ 383 ـ 394، " الاستيعاب " لابن عبد البرّ : 3/1135 ـ 1141، " أسد الغابة" لابن الأثير : 4/43 ـ 47، "جامع الأصول" لابن الأثير: 9/41 ـ 46، "الكامل" لابن الأثير: 3/308 ـ 309، " سير أعلام النبلاء " للذهبي : 1/406 ـ 428، =
= "الكاشف" للذهبي : 2/301، "وفيات ابن قنفد" : 17، "الإصابة" لابن حجر : 2/512 ـ 513، "تهديب التهذيب" لابن حجر : 7/408 ـ 410، "مجمع الزوائد" للهيثمي : 9/291 ـ 298، "شذرات الذهب" لابن العماد : 1/45، "الرياض المستطابة" للعامري : 211 ـ 213.
([8]) استدلّ أهل السنة بقتل عمّار رضي الله عنه على تصحيح جانب عليّ رضي الله عنه، لأنّ النّبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] كان قد قال له :« وَيْحَكَ يا ابنَ سُمَيَّة، تَقْتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَة» [أخرجه مسلم : 18/39 ]، وقوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « وَيْحَ ابنَ سُمَيَّة، تَقْتُلُه الفِئَةُ الباغِيَةُ، يَدْعُوهم إلى الجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إلى النَّارِ » فجعل يقول : أعوذ بالله من الفتن [ أخرجه أحمد : 3/91، والبخاري : 1/541، 6/30].
([9]) "فتح الباري" لابن حجر : 4/120. انظر المزيد من ترجمته في : "طبقات ابن سعد" : 6/195، "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي : 9/395، "سير أعلام النبلاء" للذهبي : 4/517، "تهذيب التهذيب" لابن حجر : 4/437.
([10]) أخرجه أبو داود : 2/749 في الصوم : باب كراهة صوم يوم الشكّ، والترمذي : 3/70 في الصوم : باب ما جاء في كراهة صوم يوم الشكّ، وابن ماجه : 1/527 في الصيام : باب ما جاء في صيام يوم الشكّ، والنسائي : 4/153 في الصيام : باب صيام يوم الشكّ، وأخرجه ـ أيضا ـ الدارمي في "سننه" : 2/2، والدارقطني في "سننه" =
= 2/157، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/111.
([11]) "صحيح ابن خزيمة" : 3/204 ـ 205.
([12]) رقم : 878.
([13]) "المستدرك" للحاكم : 1/423، 424.
([14]) "إرواء الغليل" للألباني : 4/126.
([15]) قال الشيخ الألباني : "وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، واقتصر الحافظ على تحسينه، ولعلّه ما ذكر بعد أنّه رواه عبد الرزّاق من وجه آخر عن منصور عن ربعي عن رجل عن عمّار، وعبد العزيز العمي الذي رواه ابن أبي شيبة عنه ثقة حافظ احتجّ به الستّة، فالذي خالفه، وأدخل بين ربعي وعمّار رجل لم يسمّه لم يذكره الحافظ حتّى ننظر في مخالفته هل يعتدّ بها أم لا" [ "إرواء الغليل" : 4/126، 127 ].
([16]) "فتح الباري" لابن حجر : 4/120.
([17]) "النهاية" لابن الأثير : 3/50.
([18]) المصدر السابق : 5/30.
([19]) "مختار الصحاح" للرازي : 309.
([20]) انظر "مفتاح الوصول" للتلمساني [ بتحقيقنا ] : 363 ـ 364.
([21]) هو أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ بن عاصم النمري الأندلسي، شيخ علماء الأندلس وكبير محدّثيها، وأحفظ من كان فيها في وقته، له تآليف نافعة منها: "التمهيد"، و"الاستيعاب"، و"الاستذكار"، و"جامع بيان العلم وفضله"، توفّي سنة 463 هـ ـ 1070 م.
انظر ترجمته في : "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم : 302، "فهرست ابن خير" : 214، جذوة الاقتباس" للحميدي : 367، "الصلة" لابن بشكوال : 2/677، "ترتيب المدارك" للقاضي عياض : 2/808، "وفيات الأعيان" لابن خلّكان : 7/66، "سير أعلام =
= النبلاء" للذهبي : 18/153، "تذكرة الحفّاظ" للذهبي : 3/1128، "دول الإسلام" للذهبي : 1/273، "اللباب" لابن الأثير : 3/326، "البداية والنهاية" لابن كثير : 12/104، "الديباج المذهب" لابن فرحون : 357، "طبقات الحفّاظ" للسيوطي : 431، "شذرات الذهب" لابن العماد : 3/314، "الفكر السامي" للحجوي : 2/4/213، "شجرة النور" لمخلوف : 1/119، "الرسالة المستطرفة" للكتاني : 15.
([22]) "نصب الراية" للزيلعي : 2/442، "التلخيص الحبير" لابن حجر: 2/197.
([23]) "سبل السلام" للصنعاني : 2/308.
([24]) "تبيين الحقائق" للزيلعي : 1/317.
([25]) قَتَرة : الغبرةُ في الهواءِ الحائلةُ بين الإبصار وبين رؤية الهلال [ "معالم السنن" للخطّابي : 2/741، "النهاية" لابن الأثير : 4/12 ].
([26]) " التحقيق " لابن الجوزي : 2/68.
([27]) جزء من آية 113 من سورة هود.
([28]) "فتح الباري" لابن حجر : 4/120.
([29]) المصدر السابق الجزء والصفحة نفسها.
([30]) متّفق على صحّته، سيأتي تخريجه حديث_أبي_هريرة_لا_تقدموا .
([31]) أخرجه أبو داود : 2/751، والترمذي : 3/115، وابن ماجه : 1/528، وعبد الرزّاق في "المصنّف" رقم (7325) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" : 2/82، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال الترمذي : "حديث حسن صحيح"، وصحّحه الألباني في تخريج المشكاة" (1/616)، وقال : "استنكره الإمام أحمد، لكن سنده صحيح"، وصحّحه الأرناؤوط ـ أيضا ـ في "شرح السنة" للبغوي : 6/238.
([32]) "المجموع" للنووي : 6/400.
([33]) انظر عدم تعارض القطعيّ مع الظنّيّ في : "شرح اللمع" للشيرازي : 2/950، 951، "الفقيه والمتفقّه" للخطيب البغدادي : 1/215، "المنهاج" للباجي : 120، "شرح تنقيح الفصول" للقرافي : 421، "روضة الناظر" لابن قدامة : 208، "كشف الأسرار" للبخاري : =
= 4/133، "تقريب الوصول" لابن جزيّ [ بتحقيقنا ] : 163، "مذكّرة الشنقيطي" : 316.
([34]) "عارضة الأحوذي" لابن العربي : 3/202، "تبيين الحقائق" للزيلعي : 1/317.
([35]) "فتح الباري" لابن حجر : 4/128، وسيأتي مزيد الإيضاح في حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ اللاحق.
([36]) انظر رواية الحديث بالمعنى في : "الرسالة" للشافعي : 370 ـ 371، "الكفاية" للخطيب البغدادي: 198 ـ 203، "مقدّمة ابن الصلاح" : =
= 85، "اختصار علوم الحديث" لابن كثير : 157، "فتح المغيث" للسخاوي : 2/48، "تدريب الراوي" للسيوطي : 311، "توجيه النظر" للجزائري : 298 ـ 314، "الوجيز" للخطيب : 222 ـ 223.
([37]) يجوز صيام يومِ الشكِّ ـ عند الحنفية ـ إذا كان تطوّعا مَحضا أو له سبب ("تبيين الحقائق" للزيلعي : 1/317)، وعند الشافعية يجوز صومه تطوّعا إن كان له سبب فصادفه، كصوم يوم وفطر يوم، أو صوم يوم معيّن كالإثنين والخميس، وإن لم يكن له سبب فصومه حرام ("المجموع" للنووي : 6/400، "طرح التثريب" للعراقي وابنه : 4/114).
([38]) أمّا الرواية الثانية فتوافق مذهب الشافعي، وهي عدم جواز صيام يوم الشكّ من رمضان ولا تطوّعا، بل يجوز قضاء وكفّارة ونذرا، وتطوّعا يوافق عادة، والرواية الثالثة : أنّ المرجع إلى رأي الإمام في الصوم والفطر ("التحقيق" لابن الجوزي : 2/68، "المجموع" للنووي : 6/403، "الفتح" لابن حجر : 4/122).
([39]) هو أبو القاسم عمر بن الحسين الخِرَقيّ، البغدادي الحنبلي، العالم الفقيه، كان كثير العبادة شديد الورع، له تخريجات على المذهب، ومصنّفات كثيرة أحرقت جلّها بعدخروجه من بغداد، لمّا ظهر بها سبّ السلف وانتقاد الصحابة، وبقي منها المختصر الذي شرحه ابن قدامة المقدسي (ت 620 هـ ـ 1232 م) في كتابه "المغني"، وله شروح أخرى، توفّي أبو القاسم الخِرَقي بدمشق سنة (334 هـ ـ 945 م).
انظر ترجمته في : "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي : 11/324، "طبقات الفقهاء" للشيرازي : 146، "وفيات الأعيان" لابن خلّكان : 3/441، "البداية والنهاية" لابن كثير : 11/214، "شذرات الذهب" لابن العماد : 2/336، "معجم المؤلّفين" لكحّالة : 7/282، "الفكر السامي" للحجوي : 2/1/137.
([40]) الخِرَقي : نسبة إلى بيع الخِرق والثياب ( "وفيات الأعيان" : 3/441).
([41]) "المغني" لابن قدامة : 3/89.
([42]) أخرجه عبد الرزّاق في "المصنّف" : 4/160، والدارقطني : 2/157، والبيهقي : 4/208 وقال : "أبو عبّاد هو عبد الله بن سعيد المقبري غير قويّ"، والحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج ("نصب الراية" للزيلعي : 2/440 ـ 441، "التلخيص الحبير" : 2/198).
([43]) وهو ما عليه الجمهور من أنّ النهي إن ورد مجرّدا عن القرائن حُمل على التحريم، انظر المسألة في : "مفتاح الوصول" للتلمساني [ بتحقيقنا ] : 413 والمصادر المثبتة على هامشه.
([44]) متّفق عليه سيأتي تخريجه في الحديث اللاحق.
([45]) متّفق على صحّته : أخرجه أحمد في "مسنده" : 2/259، 263، 287، والدارمي في "سننه" : 2/3، والبخاري : 4/119، ومسلم : 7/193، 194، وابن ماجه : 1/530، والترمذي : 3/71، والنسائي : 4/133، 134، الطحاوي في "شرح معاني الآثار" : 1/209، والدارقطني في "سننه" : 2/162، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، والحديث رواه جمع من الصحابة كابن عبّاس وابن عمر وجابر بن عبد الله وعائشة y (انظر : "نصب الراية" للزيلعي : 2/437، "الدراية" لابن حجر : 1/276، "إرواء الغليل" للألباني : 4/3 ـ .
([46]) متّفق على صحّته : أخرجه البخاري : 4/127 ـ 128، ومسلم : 7/194، وأبو داود : 2/750، وابن ماجه : 1/528، والترمذي : 3/68، والبغوي في "شرح السنة" : 6/236، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
([47]) أخرجه أبو داود : 2/744، والنسائي : 4/35، وابن خزيمة في "صحيحه" : 3/203، والبيهقي في "سننه الكبرى" : 4/208، من حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعا.
([48]) أخرجه أحمد : 6/149، أبو داود : 2/744، والحاكم : 1/423، والبيهقي : 4/206 من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ، قال
عن عمّارِ بنِ ياسِر رضي الله عنه قال : « مَنْ صَامَ اليَوْمَ الذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] »، ذكره البخاري تعليقا ([1]).
سبب ورود الحديث
كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ بْنِ يَاسِرٍ فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْلِيَةٍ، فَقَالَ : كُلُوا، فَتَنَحَّيَ بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ : إِنِّي صاَئِمٌ، فَقَالَ عَمَّارُ : « مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ ... » ([2])، وفي لفظِ ابن أبي شيبة : " إِنَّ عَمَّارًا وَنَاسًا مَعَهُ أَتَوْهُمْ بِمَسْلُوخَةٍ مَشْوِيَّةٍ فِي الْيَوْمِ الْذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ رَمَضَانُ أَوْ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ، فَاجْتَمَعُوا وَاعْتَزَلَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ عَمَّارُ : تَعَالَ فَكُلْ، قَالَ : فَإِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ لَهُ عَمَّارُ : إِنْ كُنْتَ تُؤمِنُ باللهِ وَالْيَوْمِ اْلآخِرِ فَتَعَالَ فَكُلْ " ([3]).
ترجمة الراوي
هو الصحابي أبو يَقظان عمّارُ بنُ ياسر ابنِ عامر بنِ مالك العَنْسِيُّ، ثمّ المَذْحِجِيُّ القحطانيُّ نَسَبا، المخزوميُّ حِلْفا ووَلاءً، وهو أَحَدُ السابقين الأوّلين والأعيانِ البَدْرِيِّين، كان هو وأبوه وأمّه سُمَيَّةُ ([4]) وإخوتُه من السابقين الأوّلين المعذَّبِين في الله، شهد عمّارُ سائرَ المشاهدِ مع النّبيِّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ، وكان مخصوصا منه بالبِشارة والترحيب والبَشاشة والتَّطْيِيب، له فضائل وأحاديث عِدَّة، ومن فضائله قوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « عَمَّارُ مُلِئَ إِيمَانًا إِلَى مُشَاشَه » ([5])،وفيه نزل قوله تعالى : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِاْلإِيمَانِ } ([6])، وقد ولاّه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه الكوفة، وكتب إليهم : " إنّه من النُجَباء الرفقاء، فاعْـرِفوا قَدْرَه "، قُـتِل رضي الله عنه بـصِفِّين سنة (37 هـ ـ 657 م) ([7])، وكان من أصحاب عليّرضي الله عنه ([8]).
سند الحديث
الحديثُ أورده البخاريُّ قال : باب قول النّبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا »، وقال صِلَةُ عن عَمَّار : « مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِم [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ».
قال الحافظ : "وصِلَةُ بنُ زُفَر كُوفِيّ عَبْسِيّ من كبار التابعين وفضلائهم" ([9]).
والحديث وَصَلَه الخمسة ([10]) من طريق عَمرِو بنِ قَيْس عن أبي إسحاق عن صِلة.
ولفظ الحديث عند أبي داود وابن ماجه : « مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ ... »، وعند الترمـذي وابن خُزَيمة : « مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ ... »، وقال الترمذي : "حديث عمّار حديثٌ حسنٌ صحيح "، وصحّحه ابن خزيمة ([11]) وابن حبّان ([12]) والحاكم ([13]) ووافقه الذهبي، وقد تعقّب صاحب "الإرواء" تصحيح الحديث : "بأنّ عَمرَو بن قَيس لم يحتجّ به البخاري، وأبو إسحاق هو عمرو ابن عبد الله السبيعي، وهو ـ وإن كان ثقة ـ فقد كان اختلط بآخره، كما في "التقريب"، وقد رماه غيرُ واحد بالتدليس، وقد رواه مُعَنْعَنًا، غيرَ أنّ له طريقا أخرى يتقوّى بها" ([14])، قال ابنُ حجر : "وله متابع بإسناد حسن ([15]) أخرجه ابن أبي شيبة من طريق منصور عن رِبْعيِّ، ورواه عبد الرزّاق من وجه آخر عن منصور عن رِبْعيِّ عن رجل عن عمّار، وله شاهد من وجه آخر أخرجه إسحاق بن راهويه من رواية سماك عن عِكْرِمة " ([16]).
غريب الحديث
ـ مَصْلِيَة : مَشْوية ([17]).
ـ تَنَحَّيَ : صار إلى ناحية، أو تجنّب الناس وصار في ناحية منهم ([18])، بمعنى ابتعد واعتزل.
ـ مَسْلُوخَة : الشاة التي سُلِخ عنها الجلد ([19]).
الفوائد والأحكام المستنبطة من الحديث
يمكن أن نُجمِل الفوائد والأحكام المستخرجة من حديث الباب ومن سبب وروده على ما يأتي :
1°) ظاهر الحديث أنّه موقوف لفظا مرفوع حكمًا، حيث إنّ فيه دلالة على تحريم صومِ يومِ الشكّ بالإسناد واللزوم، لأنّ العصيان لا يكون إلاّ بفعل ما نهى النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أو بترك ما أمر به، فيكون حديث عمّار رضي الله عنه مُسنَدًا باللزوم، وليس موقوفا، لأنّ معنى العصيان له لازم من خارج، وهو فعل ما نهى عنه النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أو ترك ما أمر به ([20])، فحينئذ عند فهم مدلول اللفظ من اللفظ ينتقل الذهن من مدلول اللفظ إلى لازمه عقليا، ولو تعذّر الانتقال لاستحال فهم اللازم.
قال ابن عبد البرّ ([21]) : " هذا حديث مسند عندهم لا يختلفون في ذلك " ([22]).
ومعناه مستفاد ـ أيضا ـ من أحاديث النهي عن استقبال رمضان بصومٍ وأحاديث الأمر بالصوم لرؤية الهلال ([23]).
2°) لفظ الشكّ في الحديث يَحتَمِل أن يكون الشكّ فيه من شعبان أو أن يكون من رمضان، أي أنّه أوّل يوم من رمضان أو آخر يوم من شعبان ([24])، غير أنّ لفظ أبي داود يدلّ على أنّه من شعبان، ويُبَيِّنُه بقوله : « مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ ... » الحديث، وبقوله : « أَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ ».
3°) المراد من يوم الشكّ هو يومُ الثلاثين من شعبان، إذا حال دون مَطْلَع الهلال في ليلته قَتَرة ([25]) أو غيم أو ساتر أو نحو ذلك، وعند مَن أوجب صوم الثلاثين بنية من رمضان عند عدم رؤية الهلال بساتر، فإنّه لا يُسَمِّي يومَ الثلاثين يومَ الشكّ، بل هو يوم من رمضان من طريق الحكم، وهو مذهب أكثر الحنابلة ([26])، وعلى هذا الرأي فلا يتوجّه النهي عن صوم يوم الشكّ إليه، وهذه المسألة سنتعرّض لها في "فقه الحديث".
4°) فيه فائدة الإتيان بالموصول في قوله : « الْيَوْمَ الْذِي يُشَكُّ فِيهِ »، ولم يَقُل : " يومَ الشكّ "، مبالغة في أنّ صومَ يومٍ فيه أدنى شكّ سبب لعصيان صاحب الشرع، فكيف بمن صام يومـًا الشكُّ فيه قائمٌ ثابت ؟ أفاده الطيبي، وقال : " ونحوه { وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الْذِينَ ظَلَمُوا } ([27])، أي الذين أُونِسَ منهم أدنى ظلم، فكيف بالظلم المستمرِّ عليه ؟ " ([28]). ولا يخفى وقوع لفظ « يَوْمَ الشَّكِّ » في طرق كثيرة.
5°) فيه فائدة تخصيص ذكر كنية النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ، للإشارة إلى أنّ النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] يقسم أحكام الله بين عـباده زمانا ومكانا وغير ذلك ([29])، وفيه ـ أيضا ـ استحباب التكنّي وتكريم المكنّى والتنويه به.
6°) يُستفاد من مفهوم الحديث جوازُ تقدّم رمضان بما قبل يوم الشكّ بصوم النفل المطلق، غير أنّ هذا المفهوم ثبت من منطوق حديثي أبي هريرة رضي الله عنه ما يُخصِّص الجواز بالنهي في قوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ ... » ([30])، وبقوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ » ([31]).
وهذه الأحاديث مُخصَّصة بالاستثناء الوارد في حديث أبي هريرة الأوّل بقوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ »، أي يوافق صوما معتادا ([32])، وعلى معنى هذا الاستثناء يُلحَق به القضاء والنذر إلحاقا أَوْلويا لوُجوبهما، ذلك لأنّ الأدلّةَ قطعيةٌ على وجوب القضاء والوفاء بالنذر، إذ تقرّر ـ أصوليا ـ أنّ القطعيّ لا يُبطَل بالظنّي ولا يعارضه ([33]).
7°) فيه دليل على عدم جواز التشريع في أمور الدين لأحد سوى الله تعالى، ووجوب المحافظة على شرعه، والاحتياط في أمر العبادات، لكيلا يؤدّيَ صيامُ يومِ الشكّ إلى اعتقاد أنّ الزيادة على شهر رمضان أمر مُساغ ومُستحسَن، الأمرُ الذي يفضي إلى فتح باب مفاسد عظيمة والكذب على الله فيما شرع على نحو ما فعلت بعض الأمم السابقة الذين زادوا في مدّة صومهم ([34]).
8°) تكمن حكمة النهي عن صيام يوم الشكّ في أنّ الحكم عُلِّق بالرؤية، فمن تقدّمه فقد حاول الطعن في ذلك الحكم، قال الحافظ : "وهذا هو المعتمد"([35]).
9°) يُستفاد من حكم الرفع في الحديث جواز رواية الحديث بالمعنى، لكون اللفظ موقوفا، وجواز رواية الحديث بالمعنى للعالم بما يحيل المعنى وما لا يحيله هو مذهب جمهور السلف والخلف من المحدّثين وأصحاب الفقه والأصول بشرط أن لا يكون المرويّ ممّا يُتَعَبَّد به، أو من جوامع كَلِمِه [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ([36]).
10°) من سبب ورود الحديث يظهر معنى إكرام الضيف وخدمته والتواصي بالحقّ والتناصح على البرّ والتقوى والتزام حدود الشرع بما نهى عنه وأمر به.
فقه الحديث
اختلف العلماء في حكمِ صومِ يومِ الشكّ على مذاهب، يمكن حصرُها في مذهبين مشهورين، وهما :
مذاهب العلماء
1 ) تحريم صومِ يومِ الشكّ من رمضان ويجوز صيامه ما سوى ذلك ([37])، وهو ما عليه أكثر الصحابة وجمهور الفقهاء وغيرهم.
2°) التفصيل : ووجهه وجوبُ صومِ يومِ الشكِّ إن حال دون مَنظَره غيم أو قتر، ويجزئ إن كان من شهر رمضان، وإن كانت السماء مُصْحِيةً لم يَجُز صومُه، وبهذا قال الإمام أحمد في أشهر الروايات الثلاث عنه ([38])، وأكثر شيوخ المذهب على هذا الرأي كالخِرَقيِّ ([39]) ([40]) وغيره، وهو مذهب مرويّ عن عمر وابنه وعمرو بن العاص وأبي هريرة ومعاوية وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر ([41])رضي الله عنهم.
أدلّة الفريقين
نستعرض أدلّة الجمهور أوّلا، ثمّ نتبعه بأدلّة جمهور الحنابلة ثانيا، مع مناقشة الأدلّة الواردة من الفريقين وسبب الخلاف ثمّ الترجيح.
أدلّة الجمهور :
اسـتـدلّ الجمهور بالأحاديث وآثـار الصحابة الآتية ذكرها على الترتيب التالي :
1 ـ بحديث الباب الذي تظهر دلالته صريحة في تحريم صيام يوم الشكّ على ما تقدّم.
2 ـ بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : « نَهَى رَسُولُ اللهِ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] عَنْ صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ : الْيَوْمِ الْذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ، وَيَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ الأَضْحَى، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ » ([42])، والحديث كسابقه يصرّح بالنهي عن صوم يوم الشكّ، والنهي يقتضي التحريم أصوليا ([43]).
3 ـ بالأحاديث القولية والفعلية الدالّةِ على النهي عن استقبال رمضان بصوم، وأحاديث الأمر بالصوم برؤيته، منها :
- حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعا : « لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلاَثِينَ » ([44]).
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : « صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ » ([45])، وفي رواية لمسلم : « فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ ».
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : « لاَ تَقَدَّمُوا صَوْمَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ » ([46]).
- حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعا : « لاَ تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ قَبْلَه أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ قَبْلَهُ » ([47]).
- أمّا الفعلية فبحديـث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : « كَانَ رَسُولُ اللهِ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] يَتَحَفَّظُ مِنْ شَعْبَانَ مَا لاَ يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ، ثَمَّ يَصُومُ لِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلاَثِينَ يَوْماً ثُمَّ صَامَ » ([48]).
4 ـ بحديث عبد الله بن جراد عن النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] قال : « أَفْطِرُوا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يَصُومُ هَذَا الْيَوْمَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، لأَنْ أُفْطِرَ يَوْماً مِنْ رَمَضَانَ يَتَمَارَى فِيهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ يَوْماً مِنْ شَعْبَانَ لَيْسَ مِنْهُ » ([49]).
5 ـ أمّا آثار الصحابة فبقول ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : " لو صُمْتُ السَّنَة كلَّها لأفطرتُ اليومَ الذي يُشَكُّ فيه " ([50])، وفي رواية : " أنّ ابن عمر أمر رجلا يفطر في اليوم الذي يُشَكُّ فيه "، وهو مذهب مرويٌّ ـ أيضا ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ ([51])، وحكاه ابن المنذر أنّه مذهب عمرَ بنِ الخطّاب وعليٍّ وابنِ عبّاس وابنِ مسعود وحذيفةَ وأنسٍ وأبي هريرة وغيرِهم ([52]).
وفي مصنّف ابن أبي شيبة عن كلّ من عمر وعليّ ـ رضي الله عنهما ـ : أنّه كان إذا حضر رمضانُ فيقول : " أَلاَ لاَ تَقَدَّمُوا الشهرَ، إذا رأيتم الهلالَ فصوموا، وإذا رأيتم الهلال فأفطروا، فإن أُغْمِيَ عليكم فأتمّوا العدّة " ([53]).
فهذه الأحاديث والآثار دالّة على منع صيام يوم الشكّ، وأنّ المتقدِّم عن صوم رمضان قبل رؤية الهلال مخالف للسنّة الثابتة وما عليه أكثر الصحابة وعوام أهل المدينة ([54]).
أدلّة جمهور الحنابلة :
استُدِلّ للرواية المشهورة عن الإمام أحمد بالحديث والآثار والقياس، وتظهر أدلّتهم على الوجه التالي :
1 ـ بحديث عِمرانَ بنِ حُصَيْن رضي الله عنه أنّ النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] قال له أو لرجل آخر وعِمْران يسمع : « أَمَا صُمْتَ سَرَرَ شَعْبَانَ ؟ » قال : لا، يا رسول الله، قال : « فَإِذاَ أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ » ([55]).
والحديث صريح في إفادةِ صِحّةِ صومِ يومِ الشكِّ لأنّ المراد من " سَرَر الشهر " : آخره، وسمّيت بذلك لاستسرار القمر فيها فلا يظهر، وهي ليلة ثمان وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين ([56]).
2 ـ وبمقتضى حديث أمِّ سَلَمة : « أَنَّ النَّبِيَّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] كَانَ يَصُومُهُ » أي يوم الشكّ ([57]).
3 ـ وبحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنّ النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قال : « إِنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ » ([58]).
ومعنى الحديث : ضيِّقوا عدّة شعبان بصوم رمضان، بتقديره تحت السحاب، بحيث يكون له عدد يطلع في مثله، وذلك يكون لتسع وعشرين، ويشهد لمعنى التقدير قولُه تعالى : { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } ([59])، وقولُه تعالى: { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَّشَاءُ وَيَقْدِرُ } ([60]).
ويؤكّد هذا المعنى آثار الصحابة، فمن ذلك :
أ/ تفسيرُ ابنِ عمر للحديث بفعله، فقد حكى نافع عنه : " أنّه كان إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر فإن رأى فذاك، وإن لم يَرَ ولم يَحُلَّ دون مَنْظَرِه سحاب ولا قتر أصبح مفطرا، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما " ([61])، والرجوع إلى فهمِ الصحابيِّ ابنِ عمر أولى لكونه أعلم بمراد الحديث، فالراوي أعلم بما روى، ولذلك رجعنا إلى فعله في إثبات خيار المجلس ([62]).
بـ/ ما روي عن عليّ رضي الله عنه أنّه قال: " لأَنْ أصوم يوما من شعبان أحبُّ إليّ مِن أن أفطر يوما من رمضان "([63]).
جـ/ وروى البيهقي عن عائشة وأسماء بنتي أبي بكر مثله ([64])، كما روى مِن رواية أبي مريم عن أبي هريرة قوله : " لأَن أصوم الذي يشكّ فيه من شعبان أحبُّ إليّ من أن أفطر يوما من رمضان " ([65]).
4 ـ أمّا القياس فيتمثّل وجهه فيما يلي :
أ ـ إنّه إذا جاز صيام يوم الشكّ تطوّعا حال اقترانه بسبب فَلأَنْ يجوز صيامه فيما يحتمل كونه فرضا من باب أولى.
ب ـ كما أنّه يلحق بالصلاة في أوقات الكراهة فيما إذا أوقع فرضا أو ذا سبب بجامع كونهما عبادتين طبيعتهما متقاربة، تبطلان بفعل شيء من مبطلاتهما.
مناقشة الأدلّة السابقة
ـ أوّلا : مناقشة أدلّة الجمهور
اعتذر الحنابلة عن الأخذ بحديث الباب وحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي يليه في الاحتجاج به على ما يأتي :
1/ أمّا حديث أبي هريرة رضي الله عنه : « أَنَّ رَسُولَ اللهِ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] نَهَى عَنْ صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ » أَحَدُهَا : « الْيَوْمُ الْذِي يٌشَكُّ فِيهِ »، فقد رواه البزّار من طريق عبد الله بن سعيد المقبري عن جدّه عنه، ورواه البيهقي من حديث الثوري عن عبّاد عن أبيه، وعبّاد هذا هو عبد الله بن سعيد المقبري، قال البيهقي : " انفرد به عبد الله بن سعيد وهو غير قويّ "، وقال عنه الحافظ ابن حجر نقلا عن الإمام أحمد بن حنبل أنّه : "منكر الحديث" ([66])، وقال عنه صاحب "التنقيح" : "أجمعوا على ضعفه وعدم الاحتجاج به" ([67]).
2/ إنّ حديث الباب لا ينتهض حجّة من جهتين :
ـ الأولى : عدم التسليم بأنّ يوم الثلاثين من شعبان أنّه يوم الشكّ، بل هو من رمضان، أمّا المراد من "يوم الشكّ" فقد فسّره الإمام أحمد بأنّه : "اليوم الذي يتقاعد الناس عن طلب الهلال، أو يشهد رُؤيَتَهُ من يَرُدّ الحاكم شهادته، وعليه فإن حال دون منظره شيء فلا يسمّى هذا شكّا" ([68]).
ـ الثانية : وإذا سلّمنا أنّ يوم الثلاثين من شعبان يُسمّى يومَ الشكّ، فإنّ النهي عن صومه محمول على حال الصحو لما يعارض ذلك من أدلّة ([69]).
3/ وأحاديث النهي عن استقبال رمضان بصوم فالجواب عنها على الترتيب التالي :
أ ـ أمّا رواية ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : " فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلاَثِينَ " فهي مخالفة للرواية الصحيحة المتّفق عليها، ولمذهب ابن عمر ورأيه ([70]).
ب ـ أمّا حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري عن آدم عن شعبة بلفظ : « فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ »، فقد رواه جماعة كلّهم عن شعبة ([71]) لم يذكر أحد منهم هذه الزيادة، فيجوز أن يكون آدم قد رواه على التفقّه من عنده للخبر على ما صرّح به الإسماعيلي، فوقع للبخاري إدراج التفسير في نفس الخبر، وعلى هذا يكون المعنى : " فإن غُمّ عليكم رمضان فعدّوه ثلاثين " ([72]).
ومن جهة ثانية فإنّ خبرَ أبي هريرة السابقَ يرويه محمّد بن زياد، وقد خالفه سعيد بن المسيّب فرواه عن أبي هريرة بلفظ : « فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلاَثِينَ »، وروايته أحقّ بالتقديم وأولى بالترجيح لإمامته واشتهار عدالته وموافقته لمذهب أبي هريرة ولخبر ابن عمر ورأيه ([73]).
ومن جهة ثالثة ـ فيما إذا سَلَّمْنا بصحّةِ الزيادة وثبوتها ـ فهي محمولة على ما إذا غُمَّ هلال رمضان وهلال شوّال، فإنّا نحتاج إلى إكمال شعبان ثلاثين احتياطا للصوم، لأنّه على تقدير صوم يوم الثلاثين من شعبان فلا نجزم على أنّه من رمضان، وإنّما أوقعنا صيامه حكما ([74]).
ج ـ أمّا ما انفرد به مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : « صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ »، فإنّ المراد : " إن غُمّ عليكم رمضان فعدّوا رمضان ثلاثين "، بدليل قَرِينَتَيْن :
ـ الأولى : هي أنّ الكناية ترجع إلى أقرب المذكورين، وهو قوله : « وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِه »، والإفطار معنيٌّ بشهر شوّال، فيكون عَدُّ الثلاثين خاصًّا برمضان دون شعبان.
ـ الثانية : وهي أنّ الصحابي فسّره بفعله، وهو أعلم بما روى.
4/ وحديث حذيفة رضي الله عنه ضعّفه الإمام أحمد وقال : " ليس ذِكْرُ حذيفة فيه بمحفوظ "، وقيل : الصواب فيه : " عن رِبْعِي عن رجل من الصحابة مبهم، ثمّ هو وحديث أبي هريرة في الأمر بالصوم لرؤيته يُحملان على حالة الصحو لعدم ورود ذكر الغيم فيهما ([75]).
5/ أمّا حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في صفة تحفّظه [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] من هلال شعبان فَرُدَّ لأنّ في إسناده معاوية بن صالح، قال عنه أبو حاتم الرازي : " لا يحتجّ به " ([76])، ثمّ هو معارض بالمحفوظ من هذا بلفظ : « فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا ».
6/ وحديث عبد الله بن جراد قال عنه ابن الجوزي : " وهذا الحديث موضوع على ابن جراد، لا أصل له عن رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ، ولا ذكره أحد الأئمّة الذين جمعوا السنن وترخّصوا في ذكر الأحاديث الضعاف " ([77])، وفي إسناده يعلى بن الأشدق ضعّفه أئمّة الجرح والتعديل ([78]).
7/ أمّا ما رُوِيَ عن ابن عمر قوله : " لو صمت السنة لأفطرت اليوم الذي يُشَكّ فيه " فجوابه من أربعة وجوه :
1. إنّه أثر لا يصحّ عن ابن عمر، لأنّ في إسناده عبد العزيز بن حكيم، ضعّفه أبو حاتم الرازي ([79]).
2. إنّ المحفوظ عنه يعارضه، وقد تقدّم ذكره في حجّة الحنابلة.
3. وعلى فرض صحّته فهو محمول على اليوم الذي لم يَحُلَّ دون منظره سحاب ولا قتر، فيكون موافقا للرواية المحفوظة عنه.
4. وعلى غير هذا التقدير فإنّ المعني بـ " يوم الشكّ " ما فسّره الإمام أحمد على ما تقدّم، وعليه فإنّ المحلّ المتنازع عليه ليس بيوم الشكّ.
5. أمّا الآثار الأخرى فهي معارضة بمثلها أو بأحفظ منها.
ثانيا : مناقشة أدلّة الحنابلة
1/ نوقش حديث عمران بن حصين رضي الله عنه بأنّه غير معارِض لأدلّةِ الجمهور، حيث يمكن الجمع بين الحديثين، بحَمْلِ النهي على أنّ الرجل كان قد أوجب صومه على نفسه بنذر فأمره بالوفاء به ([80])، أو بحمله على مَن ليست له عادةٌ بذلك، وحَمْلِ الأمر على من له عادة، فأمره النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] بقضائها لتستمرّ محافظتُه على تلك العبادة، ولتدوم ملازمتُه للخير حتّى لا ينقطع، ويؤيّد ذلك ما وقع في بعض الروايات بلفظ : « فَصُمْ مَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَوْمَيْنِ »، فإنّه يفيد اعتياد الرجل صيام آخر الشهر وهذا كلّه إذا ما حُمِل لفظُ السَّرَر على آخر الشهر، أمّا إذا حمل على وسطه على ما حكاه أبو داود ([82]) ورجّحه بعضهم على معنى أنّ السَّرر جمع سُرّة، وسرّة الشيء وسطه، على أنّ الشرع ندب صيام البيض وهي وسط الشهر، وأنّه لم يرد في صيام آخر الشهر ندب، بل ورد فيه نهي خاص وهو آخر شعبان لمن صامه لأجل رمضان ([83])، فلم يبق متمسّك بالحديث السابق إذا حمل على وسط الشهر أو على أوّله أي مستهلّه على ما جاء في "اللسان" ([84]).
2/ أمّا حديث أمِّ سلمة فإنّ مرادَها أنّه كان يصوم شعبان كلَّه لِما رواه الخمسة من حديثها قالت : « إِنَّ النَّبِيَّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْراً تَامًّا إِلاَّ شَعْبَانَ يَصِلُ بِهِ » ([85])، وفي لفظ ابن ماجه : « كَانَ رُسُولُ اللهِ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ » ([86]).
والاحتجاج بما سبق خارج عن محلّ النزاع، لأنّه يجوز صومه عند الجمهور القائلين بالنهي عن صوم يوم الشكّ إذا ما وافق عادةً، لِما تقدّم من حديث أبي هريرة : « إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ » ([87]).
وعلى تقدير أنّه [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] صام يوم الشكّ فإنّ الجواب بأنّه لا تعارض بين فعله وقوله، ذلك لأنّ النهي عام له ولسائر المخاطَبِين، غير أنّ فعلَه مخصِّصٌ له من العموم ([88])، وإذا حُمِل على وقوع التعارض فَيُرَجَّحُ النهي والحظر على الجواز ـ من جهة ـ ([89])، والقول على الفعل ـ من جهة أخرى ـ ([90])، على ما تقرّر في باب الترجيحات من القواعد الأصولية.
3/ وأجاب الجمهور عن حديث ابنِ عمر مرفوعا : « إِنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ... » أنّ ظاهرَه وإن كان يقتضي الحصرَ إلاّ أنّه محمول على الأكثر والأغلب، لقول ابن مسعود رضي الله عنه : " مَا صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْناَ ثَلاَثِينَ " ([91])، ومثله عن عائشة وعمر وابن عبّاس وأبي بكرة رضي الله عنهم([92]).
ويؤيّد ذلك قوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] في حديث ابن عمر : « إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَةٌ ([93]) لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا، يعني : مَرَّة تسعةً وعشرين ومَرَّةً ثلاثين » ([94]).
ويحتمل جوابا آخر وهو أنّ اللام للعهد والمعنى المراد : شهرٌ بِعَيْنِه يكون تسعةً وعشرين ([95]).
وإذا حمل على ظاهره من إفادة الحصر فإنّ معناه حصره من جهة أحد طرفيه ـ كما ذكره ابن العربي ـ حيث قال : " أي أنّه قد يكون تسعا وعشرين ـ وهو أقلّه ـ، وقد يكون ثلاثين ـ وهو أكثره ـ، فلا تأخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطا، ولا تقتصروا على الأقلّ تخفيفا، ولكن اربطوا عبادتكم برؤيته واجعلوا عبادتكم مرتبطةً ـ ابتداءً وانتهاءً ـ باستِهْلالِه " ([96]).
والمراد بقوله : « فَاقْدُرُوا لَهُ » لغة ـ عند الجمهور ـ : من التقدير، فيقال : " قَدَّرْتُ الشيءَ أَقْدرُه ـ بكسر الدال وضمِّها ـ وقَدَّرْتُه وأَقْدَرْتُه " كلُّها بمعنى واحد، أي : اُنْظُروا أوّلَ الشهرِ واحسبوا تمام الثلاثين ([97])، قال الخطّابي ([98]) : ومنه قولُه تعالى : { فَقَدَّرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ } ([99]).
ولفظ : « فَاقْدُرُوا لَهُ » لم يروه سوى ابنُ عمر وحده، على ما ذكره ابنُ عبد البرّ ([100])، وهذا اللفظ وإن اتّفق الرواة عن مالك عن نافع فيه إلاّ أنّه جاء فيما رواه الشافعي من طريق سالم عن ابن عمر بتعيين الثلاثين، وقد رواه ابن خزيمة من طريق عاصم بن محمّد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر : « فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَكَمِّلُوا الثَّلاَثِينَ »، وله شواهد أخرى من حديث أبي هريرة وابن عبّاس وغيرهما ([101]).
وإذا كان تفسير " التقدير " في الحديث على المعنى المتقدّم لغةً وشرعا على ما ذهب إليه جمهور السلف والخلف فلم يَبْقَ مجالٌ لِحَمْلِه على معنى التضييق.
ـ وتفسير ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ للحديث بفعله فقد أجاب عنه الجمهور من المناحي التالية :
1 ـ إنّ ابنَ عمر ـ رضي الله عنهما ـ كان يفعل هذا الصنيع في شهر شعبان، وكان يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب في شهر رمضان، فدلّ ذلك على أنّ صيامَه لشهر شعبان إنّما كان على وجه الاحتياط، لأنّه لو لم يُحمَل فعلُه على ذلك لَلَزِم منه النقض في كونه يرى باقتضاء حمل التقدير على التضييق وتقديره تحت السحاب في إحدى الصورتين دون الأخرى، مع أنّ الأصل عدم اختلاف حكم كلّ من شعبان ورمضان في أمر التقدير، ولو اختلف حكمهما لبيّنه النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وفَصَل بينهما ، إذ أنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، كيف وقد نبّه النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] على التسوية بينهما بنهيه عن صوم يوم الشكّ ([102]).
2 ـ قد روي عنه من قوله ما يخالف فعله، والقول أقوى من الفعل في باب الترجيح.
3 ـ إنّ فعله رضي الله عنه معارض بروايته، لأنّ فعلَه عملٌ مبنيٌّ على اجتهاده، وقد يظهر له ما هو راجح في نظره ممّا رواه وإن لم يكن راجحا في نفس الأمر، TE "قاعدة أصولية : الحجّة فيما روى الراوي لا فيما رأى" فالحجّة إذا فيما رواه لا فيما رآه.
4 ـ إنّ الحديث رواه غيرُ ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ كابن عبّاس وأبي هريرة وحذيفة وأبي بكرة وطلق ابن عليّ وغيرهم، وهم أكثر عددا ورواية وعملا.
4/ أمّا ما أخرجه الشافعي عن عليّ رضي الله عنه فهو أثر منقطع، ذلك لأنّ فاطمة بنت الحسين لم تدرك عليّا رضي الله عنه ، فروايتها منقطعة، ولو سُلِّم الاتّصال فلا يفيد في محلّ النزاع، لكونه ورد مختصرا مُخِلاًّ بالمعنى، ذلك لأنّ لفظ الرواية : أنّ رجلا شهد عند عليّ على رؤية الهلال، فصام وأمر الناس أن يصوموا، ثمّ قال : "لأَن أصوم يوما من شعبان أحبُّ إليَّ من أن أفطر يوما من رمضان "، فالصوم لم يكن ليوم الشكّ بمجرّده، وإنّما عند قيام شهادة واحد عنده على رؤية الهلال لا في الغيم ([103])،وقد ورد هذا البيان في " سنن الدارقطني ([104]) " ([105])، ثمّ إنّه ـ من ناحية ثالثة ـ لو سلّم أنّه استحبّ صوم يوم من غير نظر إلى شهادة الشاهد فلا يكون قولُه حجّةً إلاّ على من يرى أنّ قول عليّ حجّة ([106])، على أنّ ابن أبي شيبة روى عنه في " مصنّفه " خلاف ذلك ([107]).
5/ والمعروف عن أبي هريرة خلاف ما نقل عنه، وقد روى عنه النهي عن تقدّم رمضان بصيام وهو أصحّ عنه، ومع ذلك لا يوجب ذلك اضطرابا لأنّ كلامه محمول على الاستثناء في الرواية المرفوعة : « إِلاَّ أَنْ يُوَافِقَ صَوْماً كَانَ يَصُومُهُ ».
6/ أمّا ما روي عن عائشة وأسماء بنتي أبي بكر ـ إن صحّ عنهما ـ فلا حجّة فيه، وقد نُقِل عن أكثر الصحابة وعامّة أهل العلم خلافُه، فضلا عن مخالفته للروايات والآثار الصحيحة على ما تقدّم.
7/ أمّا القياس ففاسد الاعتبار، لمقابلته للنصوص الآمرة بإكمال العدّة ثلاثين يوما ـ من جهة ـ، وغير منتهض من ناحية أنّ صوم يوم الشكّ لمن وافق عادة إنّما هو من شعبان وليس من رمضان اعتقادا من غير احتمال، وقد ورد بجوازه النصّ، أمّا المحتمل المشكوك فيه فلا يصار إليه خشية الوقوع في المحظور المنهيّ عنه بحديث الباب، فافترقا.
سبب الخلاف
يُرَدُّ سبب الخلاف في هذه المسألة إلى ما يأتي :
1) في فهم معنى " التقدير " في قوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ »، هل يقتضي التفرقة بين الصحو والغيم، فيكون التعليق على الرؤية متعلّقا بالصحو، وأمّا الغيم فله حكم آخر، وهو حمله على معنى التضييق، وبه قال أكثر الحنابلة، أو أنّه لا يقتضي التفرقة بينهما ويكون الثاني مؤكِّدا للأوّل، وبه قال الجمهور.
2) وفي قوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلاَثِينَ » هل هذه الكناية ترجع إلى أقرب الجملتين أو إلى الجملتين معًا ؟
3) في تعيين يَومِ الشكِّ : أهو آخر يوم من شعبان ـ أي : يوم الثلاثين ـ ؟ وبه قال الجمهور، أو هو أوّل يوم من رمضان ؟ وبه قال أكثر الحنابلة.
4) في تعارض آثار الصحابة، ومدى الاحتجاج بعمل الراوي بخلاف ما روى (أي هل العبرة بما رواه الصحابي أو بما رآه ؟).
الرأي المختار
ففي هذه المسألة فإنّ مذهب الجمهور لائحٌ من عدّة وجوه، وهي :
1 ـ إنّ الإجمال الحاصل في قوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « فَاقْدُرُوا لَهُ » محمول على الروايات الأُخَرِ المفسِّرةِ والمصرِّحةِ بالمراد، فلا تكون روايةُ مَن روى « فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ » مخالفةً لِمَن روى : « فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ »، بل مبيّنةً لها، ويؤيِّد ذلك حديث ابنِ عبّاس مرفوعا : « فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ، وَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اِسْتِقْبَالاً » ([108])، وغيرُه من الأحاديث التي تقدّمت، وهو ما فسّر به مالك ـ رحمه الله ـ اللفظ المحتمل ([109])، TE "قاعدة أصولية : المجمل يحمل على المفسّر اتّفاقا" وحَمْلُ الْمُجْمَل على الْمُفَسَّر طريقةٌ لا خلاف فيها بين الأصوليّين، لأنّه لا تعارض بينهما أصلا ([110]).
2 ـ ولقوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ » وهو ظاهر في النهي عن ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال، فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها، ولفظ : « فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ » الذي أوقع للمخالِف شبهةً مَدْفوعةً بالقواعد التي تقتضي بأنّ أيَّ شهرٍ غُمّ أُكْمِل الثلاثين، سواء في ذلك شعبان ورمضان وغيرهما، إذ لم يَخُصَّ شهرا دون شهر بالإكمال، فلو كان شهر شعبان غير مراد لبيّنه، لذلك يرجع قوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « فَاقْدُرُوا لَهُ » أو : « فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ » إلى الجملتين السابقتين، وهما : « صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ »، أي : إذا غُمّ عليكم في صومكم أو فطركم فأكملوا العدّة ثلاثين، وهو اختيار شمس الدين عبد الهادي الحنبلي في " تنقيح التحقيق " ([111]).
3 ـ وبناء على ما تقدّم فلا يلزم اضطرابا ولا تعارضا في الخبر الذي رواه البخاري من حديث شعبة عن محمّد بن زياد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ : « فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ »، وما رواه مسلم من حديث سعيد ابن المسيّب عن أبي هريرة مرفوعا : « فَصُومُوا ثَلاَثِينَ يَوْماً »، لأنّ الأمرَ عائدٌ على صورتي الصوم والإفطار في حالة الغمّ علينا، فذكر الراوي في إحدى الروايتين إحدى الصورتين وفي الرواية الأخرى الصورة الأخرى، وجاءت عبارةُ بعضِ الرواياتِ متناولةً لهما، ففي رواية مسلم : « فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ »، وفي رواية له ـ أيضا ـ : « فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ »، وعليه يتحقّق الجمعُ والتوفيقُ، وينتفي التعارُضُ، فلا يُصارُ إلى الترجيح لِمَا فيه من إهمالٍ للرواية الأخرى وإهدارٍ لها.
أمّا ما ذكره الإسماعيلي فغير قادح في صحّة الحديث، لأنّ النبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إمّا أن يكون قد قال اللفظين، وهذا ما تفيده ظاهرُ الرواية، وإمّا أن يكون قال أَحَدَهما وذكر الراوي اللفظَ الآخرَ بالمعنى لعودة الأمر في قوله : « فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ » للشهرَيْن المتمثِّلَيْن في شعبان عند قوله في الجملة الأولى : « صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ »، وإلى رمضان في الجملة الثانية:« وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ »، هذا مقتضى القواعد التي دلّت عليه أحاديث هذه المسألة ([112]).
4 ـ ولأنّ المقرَّرَ في الأصول : " أنّ الصحابة إذا اختلفوا فليس بعضُهم حجّةً على البعض الآخر ولا على مَن بعدهم، وعليه فلا يجوز العمل بأحد القولين إلاّ بترجيح "، ويَتَرَجَّحُ مَن معه الحجّة، والحجّة فيما رواه الصحابي ونَقَلَه لا فيما رآه واجتهد فيه، وعلى تقدير العكس فإنّه قد روى الحديثَ غيُر ابنِ عمر وهم أكثر عددا وروايةً وعملا، وقد جاء في باب الترجيح من علم الأصول : " أنّ كثرة الرواة من المرجّحات باعتبار السند " ([113])، وكذلك كثرة الأدلّة ـ على التحقيق ـ، وهو مذهب الجمهور.
5 ـ ولأنّ الروايات الصحيحة التي اسْتُدِلَّ بها تشهد على صحّة مذهبهم من ناحية تَضَمُّنِها الاحتياطَ ([114])، فما كان كذلك فهو أولى بالتقديم على غيره لكونه أقرب إلى تحصيل المصلحة ودفع المفسدة.
والله أعلم
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) علّقه البخاري في "صحيحه" بصيغة الجزم : 4/119.
([2]) وهو اللفظ الذي وصله الخمسة وابن خزيمة وابن حبّان والحاكم وعنه البيهقي في "سننه الكبرى" : 4/208، عن طريق عَمرو بن قَيْس الملائي عن أبي إسحاق عنه.
([3]) "المصنّف" لابن أبي شيبة : 2/323 ـ 324 رقم (9502).
([4]) كانت سُمَيَّة أوّلَ شهيدة في الإسلام، وهي مولاة لأبي حذيفة ابن المغيرة المخزومي ("الرياض المستطابة" للعامري : 211).
([5]) أخرجه ابن ماجه : 1/52، والنسائي : 8/111، والحاكم : 3/392، قال الحافظ في "الفتح" [ 7/92 ] : "إسناده صحيح". و"المشاش" : جمع مُشاشة وهي رؤوس العظام الليّنة ["النهاية" لابن الأثير: 4/333].
([6]) جزء من آية 106 من سورة النحل، قال الحافظ في "الإصابة" [2/512] في ترجمة عمّار بن ياسر : " واتّفقوا على أنّها نزلت فيه هذه الآية ".
([7]) انظر ترجمته وأحاديثه في :
"مسند أحمد" : 4/264، 319 ـ 321، "الطبقات الكبرى" لابن سعد : 3/246 ـ 264، "التاريخ الكبير" للبخاري : 7/25 ـ 26، "التاريخ الصغير" للبخاري : 1/110 ـ 111، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم : 6/389، " المستدرك " للحاكم : 3/ 383 ـ 394، " الاستيعاب " لابن عبد البرّ : 3/1135 ـ 1141، " أسد الغابة" لابن الأثير : 4/43 ـ 47، "جامع الأصول" لابن الأثير: 9/41 ـ 46، "الكامل" لابن الأثير: 3/308 ـ 309، " سير أعلام النبلاء " للذهبي : 1/406 ـ 428، =
= "الكاشف" للذهبي : 2/301، "وفيات ابن قنفد" : 17، "الإصابة" لابن حجر : 2/512 ـ 513، "تهديب التهذيب" لابن حجر : 7/408 ـ 410، "مجمع الزوائد" للهيثمي : 9/291 ـ 298، "شذرات الذهب" لابن العماد : 1/45، "الرياض المستطابة" للعامري : 211 ـ 213.
([8]) استدلّ أهل السنة بقتل عمّار رضي الله عنه على تصحيح جانب عليّ رضي الله عنه، لأنّ النّبيّ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] كان قد قال له :« وَيْحَكَ يا ابنَ سُمَيَّة، تَقْتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَة» [أخرجه مسلم : 18/39 ]، وقوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] : « وَيْحَ ابنَ سُمَيَّة، تَقْتُلُه الفِئَةُ الباغِيَةُ، يَدْعُوهم إلى الجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إلى النَّارِ » فجعل يقول : أعوذ بالله من الفتن [ أخرجه أحمد : 3/91، والبخاري : 1/541، 6/30].
([9]) "فتح الباري" لابن حجر : 4/120. انظر المزيد من ترجمته في : "طبقات ابن سعد" : 6/195، "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي : 9/395، "سير أعلام النبلاء" للذهبي : 4/517، "تهذيب التهذيب" لابن حجر : 4/437.
([10]) أخرجه أبو داود : 2/749 في الصوم : باب كراهة صوم يوم الشكّ، والترمذي : 3/70 في الصوم : باب ما جاء في كراهة صوم يوم الشكّ، وابن ماجه : 1/527 في الصيام : باب ما جاء في صيام يوم الشكّ، والنسائي : 4/153 في الصيام : باب صيام يوم الشكّ، وأخرجه ـ أيضا ـ الدارمي في "سننه" : 2/2، والدارقطني في "سننه" =
= 2/157، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/111.
([11]) "صحيح ابن خزيمة" : 3/204 ـ 205.
([12]) رقم : 878.
([13]) "المستدرك" للحاكم : 1/423، 424.
([14]) "إرواء الغليل" للألباني : 4/126.
([15]) قال الشيخ الألباني : "وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، واقتصر الحافظ على تحسينه، ولعلّه ما ذكر بعد أنّه رواه عبد الرزّاق من وجه آخر عن منصور عن ربعي عن رجل عن عمّار، وعبد العزيز العمي الذي رواه ابن أبي شيبة عنه ثقة حافظ احتجّ به الستّة، فالذي خالفه، وأدخل بين ربعي وعمّار رجل لم يسمّه لم يذكره الحافظ حتّى ننظر في مخالفته هل يعتدّ بها أم لا" [ "إرواء الغليل" : 4/126، 127 ].
([16]) "فتح الباري" لابن حجر : 4/120.
([17]) "النهاية" لابن الأثير : 3/50.
([18]) المصدر السابق : 5/30.
([19]) "مختار الصحاح" للرازي : 309.
([20]) انظر "مفتاح الوصول" للتلمساني [ بتحقيقنا ] : 363 ـ 364.
([21]) هو أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ بن عاصم النمري الأندلسي، شيخ علماء الأندلس وكبير محدّثيها، وأحفظ من كان فيها في وقته، له تآليف نافعة منها: "التمهيد"، و"الاستيعاب"، و"الاستذكار"، و"جامع بيان العلم وفضله"، توفّي سنة 463 هـ ـ 1070 م.
انظر ترجمته في : "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم : 302، "فهرست ابن خير" : 214، جذوة الاقتباس" للحميدي : 367، "الصلة" لابن بشكوال : 2/677، "ترتيب المدارك" للقاضي عياض : 2/808، "وفيات الأعيان" لابن خلّكان : 7/66، "سير أعلام =
= النبلاء" للذهبي : 18/153، "تذكرة الحفّاظ" للذهبي : 3/1128، "دول الإسلام" للذهبي : 1/273، "اللباب" لابن الأثير : 3/326، "البداية والنهاية" لابن كثير : 12/104، "الديباج المذهب" لابن فرحون : 357، "طبقات الحفّاظ" للسيوطي : 431، "شذرات الذهب" لابن العماد : 3/314، "الفكر السامي" للحجوي : 2/4/213، "شجرة النور" لمخلوف : 1/119، "الرسالة المستطرفة" للكتاني : 15.
([22]) "نصب الراية" للزيلعي : 2/442، "التلخيص الحبير" لابن حجر: 2/197.
([23]) "سبل السلام" للصنعاني : 2/308.
([24]) "تبيين الحقائق" للزيلعي : 1/317.
([25]) قَتَرة : الغبرةُ في الهواءِ الحائلةُ بين الإبصار وبين رؤية الهلال [ "معالم السنن" للخطّابي : 2/741، "النهاية" لابن الأثير : 4/12 ].
([26]) " التحقيق " لابن الجوزي : 2/68.
([27]) جزء من آية 113 من سورة هود.
([28]) "فتح الباري" لابن حجر : 4/120.
([29]) المصدر السابق الجزء والصفحة نفسها.
([30]) متّفق على صحّته، سيأتي تخريجه حديث_أبي_هريرة_لا_تقدموا .
([31]) أخرجه أبو داود : 2/751، والترمذي : 3/115، وابن ماجه : 1/528، وعبد الرزّاق في "المصنّف" رقم (7325) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" : 2/82، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال الترمذي : "حديث حسن صحيح"، وصحّحه الألباني في تخريج المشكاة" (1/616)، وقال : "استنكره الإمام أحمد، لكن سنده صحيح"، وصحّحه الأرناؤوط ـ أيضا ـ في "شرح السنة" للبغوي : 6/238.
([32]) "المجموع" للنووي : 6/400.
([33]) انظر عدم تعارض القطعيّ مع الظنّيّ في : "شرح اللمع" للشيرازي : 2/950، 951، "الفقيه والمتفقّه" للخطيب البغدادي : 1/215، "المنهاج" للباجي : 120، "شرح تنقيح الفصول" للقرافي : 421، "روضة الناظر" لابن قدامة : 208، "كشف الأسرار" للبخاري : =
= 4/133، "تقريب الوصول" لابن جزيّ [ بتحقيقنا ] : 163، "مذكّرة الشنقيطي" : 316.
([34]) "عارضة الأحوذي" لابن العربي : 3/202، "تبيين الحقائق" للزيلعي : 1/317.
([35]) "فتح الباري" لابن حجر : 4/128، وسيأتي مزيد الإيضاح في حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ اللاحق.
([36]) انظر رواية الحديث بالمعنى في : "الرسالة" للشافعي : 370 ـ 371، "الكفاية" للخطيب البغدادي: 198 ـ 203، "مقدّمة ابن الصلاح" : =
= 85، "اختصار علوم الحديث" لابن كثير : 157، "فتح المغيث" للسخاوي : 2/48، "تدريب الراوي" للسيوطي : 311، "توجيه النظر" للجزائري : 298 ـ 314، "الوجيز" للخطيب : 222 ـ 223.
([37]) يجوز صيام يومِ الشكِّ ـ عند الحنفية ـ إذا كان تطوّعا مَحضا أو له سبب ("تبيين الحقائق" للزيلعي : 1/317)، وعند الشافعية يجوز صومه تطوّعا إن كان له سبب فصادفه، كصوم يوم وفطر يوم، أو صوم يوم معيّن كالإثنين والخميس، وإن لم يكن له سبب فصومه حرام ("المجموع" للنووي : 6/400، "طرح التثريب" للعراقي وابنه : 4/114).
([38]) أمّا الرواية الثانية فتوافق مذهب الشافعي، وهي عدم جواز صيام يوم الشكّ من رمضان ولا تطوّعا، بل يجوز قضاء وكفّارة ونذرا، وتطوّعا يوافق عادة، والرواية الثالثة : أنّ المرجع إلى رأي الإمام في الصوم والفطر ("التحقيق" لابن الجوزي : 2/68، "المجموع" للنووي : 6/403، "الفتح" لابن حجر : 4/122).
([39]) هو أبو القاسم عمر بن الحسين الخِرَقيّ، البغدادي الحنبلي، العالم الفقيه، كان كثير العبادة شديد الورع، له تخريجات على المذهب، ومصنّفات كثيرة أحرقت جلّها بعدخروجه من بغداد، لمّا ظهر بها سبّ السلف وانتقاد الصحابة، وبقي منها المختصر الذي شرحه ابن قدامة المقدسي (ت 620 هـ ـ 1232 م) في كتابه "المغني"، وله شروح أخرى، توفّي أبو القاسم الخِرَقي بدمشق سنة (334 هـ ـ 945 م).
انظر ترجمته في : "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي : 11/324، "طبقات الفقهاء" للشيرازي : 146، "وفيات الأعيان" لابن خلّكان : 3/441، "البداية والنهاية" لابن كثير : 11/214، "شذرات الذهب" لابن العماد : 2/336، "معجم المؤلّفين" لكحّالة : 7/282، "الفكر السامي" للحجوي : 2/1/137.
([40]) الخِرَقي : نسبة إلى بيع الخِرق والثياب ( "وفيات الأعيان" : 3/441).
([41]) "المغني" لابن قدامة : 3/89.
([42]) أخرجه عبد الرزّاق في "المصنّف" : 4/160، والدارقطني : 2/157، والبيهقي : 4/208 وقال : "أبو عبّاد هو عبد الله بن سعيد المقبري غير قويّ"، والحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج ("نصب الراية" للزيلعي : 2/440 ـ 441، "التلخيص الحبير" : 2/198).
([43]) وهو ما عليه الجمهور من أنّ النهي إن ورد مجرّدا عن القرائن حُمل على التحريم، انظر المسألة في : "مفتاح الوصول" للتلمساني [ بتحقيقنا ] : 413 والمصادر المثبتة على هامشه.
([44]) متّفق عليه سيأتي تخريجه في الحديث اللاحق.
([45]) متّفق على صحّته : أخرجه أحمد في "مسنده" : 2/259، 263، 287، والدارمي في "سننه" : 2/3، والبخاري : 4/119، ومسلم : 7/193، 194، وابن ماجه : 1/530، والترمذي : 3/71، والنسائي : 4/133، 134، الطحاوي في "شرح معاني الآثار" : 1/209، والدارقطني في "سننه" : 2/162، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، والحديث رواه جمع من الصحابة كابن عبّاس وابن عمر وجابر بن عبد الله وعائشة y (انظر : "نصب الراية" للزيلعي : 2/437، "الدراية" لابن حجر : 1/276، "إرواء الغليل" للألباني : 4/3 ـ .
([46]) متّفق على صحّته : أخرجه البخاري : 4/127 ـ 128، ومسلم : 7/194، وأبو داود : 2/750، وابن ماجه : 1/528، والترمذي : 3/68، والبغوي في "شرح السنة" : 6/236، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
([47]) أخرجه أبو داود : 2/744، والنسائي : 4/35، وابن خزيمة في "صحيحه" : 3/203، والبيهقي في "سننه الكبرى" : 4/208، من حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعا.
([48]) أخرجه أحمد : 6/149، أبو داود : 2/744، والحاكم : 1/423، والبيهقي : 4/206 من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ، قال